جاري التحميل ...

التعليقات

المساهمون

إتصل بنا



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

المتابعون

آخر الأخبار

جميع الحقوق محفوظة

كتابات قانونية legal writings

2016

 شــرح

قانون الإثبات السوداني

لسنة 1994م


دراسة مقارنة باحكام الشريعة الاسلامية والقانون الانجليزي

والسوابق القضائية  وملحق به قانون الاثبات لسنة 1994م


الدكتور

شهاب سليمان عبدالله

رئيس قسم القانون العام

كلية القانون – جامعة شندي


الطبعة الثانية(2007م)

(مزيدة ومنقحة)





قال تعالي

" إن الله بأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي"

كتاب عمر بن الخطاب رضى الله عنه لأبى موسى الأشعرى.

  ولفظه . 

اما بعد فإن القضاء فريضه محكمه وسنه متبعه ، فعليك بالفعل والفهم وكثرة الذكر ، فافهم اذا أدلى إليك الرجل الحجة ، فأمضى اذا فهمت وامضي اذا قضيت فانه لا ينفع تكلم بحق لإنفاذ له، آسِ بين الناس في وجهك وفى مجلسك وقضائك ، حتى ليطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك ، البينة على من ادعى واليمين على من أنكر والصلح جائز بين المسلم إلا صلحاً احل حراما أول حرم حلالا .

 ومن ادعى حقاً غائباً أو بينه فاضرب له أمدا ينتهي إليه ، فان جاء ببينه أعطيته حقه وإلا استحللت عليه القضية ، فان ذلك ابلغ للعذر واجل للعمى . ولا يمنعك قضاء قضيت فيه اليوم راجعت فيه عقلك وهربت فيه لرشدك ، أن ترجع الي الحق فان الحق قديم ، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل . الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما ليس في كتاب الله وسنة رسوله صلي الله علية وسلم ثم اعرف الاشتباه والأمثال ، وقس الأمور عند ذلك واعمد الى أقربها الى الله تعالى وأشبهها بالحق .

المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلوداً في حد أو مجرباً عليه شهادة زور أو ظنيناً في ولاء أو قرابة فان الله تولى منكم السرائر واوراه بالبينات الخصومات ، فان القضاء عند مواطن الحق يوجب الله تعالى من الأجر ويحسن به الذكر ، فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله تعالى ما بينه وبين الناس ، ومن تخلق للناس بما ليس في قلبه شأنه الله تعالى ، فان الله لايقبل في العباد إلا ما كان خالصاً . فما ظنك بثواب من الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته والسلام .



شكر وعرفان

الحمد لله وحده الذي أسبغ علينا نعمة العقل وجعل هذا كله ممكنا بفضله وتوفيقه ورعايته وقدرته جل جلاله ولا آله إلا هو  ، ثم الصلاة والسلام علي من لا نبي بعده ، سيدي وحبيبي وسيد الخلق والشفيع المشفع في الأمة .

أود في صدر هذا المؤلف أن أتقدم بالشكر الجزيل والتقدير العميق ، للدكتور يحي فضل الله وكيل جامعة شندي الذي بذل جهدا كبيرا لطبع هذا الكتاب لدي لجنة التأليف والتعريب بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي منذ أكثر من ثلاثة أعوام ، ولكن الله لم يشاء. 

كما أتوجه باسمي آيات التقدير والعرفان إلي مولانا يحي ابوشورة قاضي المحكمة العليا والذي قام مشكورا بمراجعة هذا الكتاب والاطلاع علي مسودته في طورها الفطير وابدي ملاحظات قيمة وأسدي نصحا ثمينا وقدم عونا كبيرا ، وأشاد به أيما إشادة .

 وكذلك يتعين الإقرار بان تشجيع  الأستاذ احمد محمد احمد الزين  يستحق التقدير والشكر وله دور كبير انجاز هذا المؤلف  كثيرا سيما وانه قد  وساهم ماليا في إصدار الطبعة الأولي من هذا المؤلف .

كذلك يتعين أن أوجه الشكر إلي أستاذي في مهنة المحاماة التي ولجتها قبل ولوجي التدريس الجامعي منذ 1997 الأستاذ / عبدالله احمد خير السيد ، فقد كانت تجربة العمل معه مصدرا من مصادر شحذ همتي للقراءة والاطلاع ومن ثم التأليف.

ثم الشكر لكل من دعم وساهم في إخراج هذا المؤلف إلي النور، وجميع الإخوة والزملاء

مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام علي  رسول الله وبعد.

يعد قانون الاثبات من أهم القوانين باعتباره المعبر الذي تعاد من خلاله الحقوق إلي أصحابها , بل هو بمثابة الذراع للجسد الذي لا يمكن الحراك بدونه.  وهو الحصن الذي يحقق المحاكمة العادلة 

فقد حفزني نفاذ الطبعة الأولي إلي التفكير في إصدار طبعة أخري وكانت الطبعة الثانية من هذا الكتاب وقد حاولت قدر المستطاع تجاوز بعضا مما وقعت فيه من هنات ، سواء في الشكل المتعلق بتقسيم موضوعات الكتاب ، أو في التناول للموضوعات من حيث التوسع في الشرح ، وكذلك جمعت ما استجد من إحكام قضائية صدرت في مجلة الاحكام القضائية .

كما إنني حاولت  أن اجمع فيه بين مبادئ الشريعة الاسلامية التي يستمد منها القانون السوداني بعد 1983 وجوده من ناحية والقانون الانجليزي والهندي المرجعان التاريخيان له من الناحية الاخري , وقد رأيت انه من الأفضل نشر هذه المادة حتي تعم الفائدة العلمية لأكبر قدر ممكن في القطاع القانوني عموما  , دعما وإثراء للمكتبة القانونية السودانية بجهد المقل , وقد تعرضت لإحكام الشريعة الاسلامية المتعلقة بالإثبات في مذاهبها الفقهية المختلفة , ودعمت الفقه بالإحكام القضائية السودانية .

وقد سرت في شرح الكتاب علي ذات منوال القانون في الطبعة الأولي من حيث ترتيب المواد القانونية , حيث أورد النص ثم أتبعة بالنص المقابل له في القانون السابق لسنة1983م وأبين الفرق إن وجد ثم اعمد إلي الشرح بادئا ذلك بيان المعاني اللغوية والاصطلاحية للمفردات المراد التعليق عليها بالشرح، ثم ادلف إلي التعليق والشرح معتمدا علي ما توفر في يدي من مراجع في الفقه الاسلامي والوضعي، وفي الفقه الاسلامي لم اعتمد علي مذهب بعينة في الترجيح بين الآراء ولذلك يجد القارئ معظم المذاهب الفقهية المشهورة .

 اما التطبيقات القضائية السودانية فقد اعتمدت علي المنشور منها في مجلات الاحكام القضائية الصادرة من المكتب الفني للمحكمة العليا وقد بينت ما جد فيها من إحكام في الأمر موضوع النقاش، وقد استعنت بها حتي العدد الأخير الصادر في 2005، وكذلك حاولت جهد الطاقة أن أورد المنشورات الصادرة من رئيس القضاء حول بعض الأمور ذات الصلة بالقانون , وقد حرصت حرصا شديدا علي أن أورد كل الاحكام والقرارات ذات الصلة الواردة بمجلة الاحكام القضايا .

كذلك تناولت بعض النصوص في قانون الإجراءات الجنائية لسنة1991 ذات الصلة بالموضوع في شرح موجز ربطا لقانون الاثبات به وتسهيلا لشرحه.

 اما القضايا الأجنبية  (وهي في معظمها انجليزية) فقد  اعتمدت فيها علي ما ورد في كتاب العالمين الدكتور كرشنا فاسد يف والعالم هنري رياض سكلا بصورة أساسيه مع بعض المراجع الاخري في هذا الصدد وقد قسمته إلي فصول بحسب تقسيم القانون ومن ثم إلي مباحث ومطالب وفروع بقدر ما تقتضي الحاجة إلي ذلك.

 وقد حاولت أن اجعل من الشرح امرأ بسيطا يتيسر  فهمة لطالبه وأرجو الله عز وجل أن يجعله علما نافعا كما أدرجت بعض القوانين المقارنة وما عليه العمل قضاءً في المواثيق والمعايير الدولية فيما يتعلق بأسس المحاكمة العادلة من غير تطويل في بعض المواضع خاصة في الجزء الخاص بالاعتراف وقرينة البراءة.

 ولعلي في هذا المنهج الذي حرصت علي إتباعه قد استهديت بقول عبدالله بن المقفع- من أدباء وإعلام الدولة العباسية – في كتابة الأدب الكبير " اذا كنت العلم تريد فاعرف الأصول والفصول فان كثيرا من الناس يطلبون الفصول مع إضاعة الاصول, فلا يكون دركهم دركا, ومن أحرز الأصول اكتفي بها عن الفصول, وان أصاب الفصل بعد إحراز الأصل فهو أفضل.

فعسي أن يكون هذا المؤلف قد جمع الفائدة المرجوة والكفاية المنشودة لطلاب القانون والعاملين في خدمتة, وأرجو أن يغفروا لي ما به من نقص بحسبانه جهداً بشريا. والله اسأله أن يسخر لي من يقّوم   اعوجاجة, والله من وراء القصد.


الفصل الاول


أحكام تمهيدية

اسم القانون ونطاق تطبيقية


النصوص

إسم القانون وبدء العمل به

يسمى هذا القانون قانون الإثبات لسنة 1994م ويعمل به بعد شهر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية () .

إلغاء  يلغى قانون الاثبات لسنة 1983م .


المبحث الأول

التطور التاريخي لقانون الاثبات في السودان

صدر أول قانون ينظم أعمال المحاكم في السودان سنة 1898م وهو قانون العقوبات . إلا انه لم يصدر قانون للإثبات اكتفاءً بما كان يطبقه القضاة الانجليز علي المنشورات التي كان يصدرها السكرتير الاداري أو رئيس القضاه والتي يصدرها من وقت لاخر.

في نظام المحاكم الشرعيه فقد كان يقوم عليه قضاة مصريون, وكان يطبق في الاثبات ما ورد في كتب المرافعات الشرعيه علي مذهب ابي حنيفه النعمان، علاوه علي لائحة المحاكم الشرعيه السودانيه، ومنشورات قاض قضاة السودان .

في سنة 1952م صدر المنشور رقم 29 بتاريخ 31/12/1952م بهدف ملء الفراغ الواضح في مجال الاثبات حيث حدد الاتي : إن قواعد الاثبات موجودة في القوانين الاتيه:

 الإجراءات المدنيه 

والاجراءات الجنائيه 

والمنشورات القضائيه 

 وقانون الاثبات الهندي المستنبط من القانون الانجليزي

 علي ان يسري الأول عند التعارض علي نظام السوابق القضائيه Judicical Precedent  كمصدر من مصادر القاعدة القانونيه . وقد نوه المنشور إلي الرجوع إلي مؤلفات واعمال الفقهاء الانجليز والاستعانه بها في سنه 1972م وفي اطار الثورة التشريعيه صدر قانون الاثبات ليطبق علي المواد المدنيه والتجاريه والاحوال الشخصيه. وفيما لم يرد بشأنه نصا في القوانين الخاصه . ولكن لم يبقي هذا القانون في ارض التطبيق إلا قليلا وعاد الوضع إلي ما كان عليه قبل 1972م .في سنه 1973م صدر دستور السودان حيث حدد في الماده 9 منه "إن الشريعه الاسلاميه والعرف هما مصدرا التشريع". وكذلك نصت المادة 6 من قانون الإجراءات المدنيه لسنة1974م()  وفسرت ذلك بانه يجوز تطبيق القواعد التي من شأنها أن تحقق العدالة في حالة غياب النص الاجرائي. كما انه يجب علي المحاكم تطبيق المبادئ التي استقرت قضاءً ومبادئ الشريعه الاسلاميه والعرف والعدالة والوجدان السليم.

 وبدأت المحاكم في الاستناد علي أحكام الشريعه الاسلاميه في بعض احكامها. كما سارت المادة 3 من قانون الإجراءات الجنائيه علي نفس النحو حيث أوردت بعض المبادئ الاسلامية مثل قاعدة البينة علي من يدعي واليمين علي من انكر.

صدر قانون الاثبات السوداني سنة 1983م وكان أول قانون من نوعه يصدر في السودان ليطبق علي إثبات المواد الجنائيه والمدنية وتوحد بذلك نظام الاثبات في السودان.

في سنه 1993م صدر قانون جديد للإثبات الغي القانون السابق وذلك بمرسوم جمهوري مؤقت . هذا القانون هو محل بحثنا في هذا المؤلف.

 وإذا القينا نظره سريعة علي القانونين الأخيرين, يمكن لنا أن نقرر أن كلا القانونين مستمدان من أحكام الشريعة الاسلاميه ويحكمان مسائل الاثبات في المواد المدنيه والجنائيه.


المبحث الثاني

نطاق تطبيق القانون()

النص

(1) يطبق هذا القانون على الاثبات في المعاملات والمسائل الجنائية .

      (2) تسرى أحكام هذا القانون على ما لم يكن قد سمعت فية البينة من الدعاوى .

      (3) تسرى في شأن الأدلة التي أعدت قبل صدور هذا القانون ، الاحكام المعمول بها في الوقت الذي أعد فيه الدليل ،أو كان ينبغي إعداده فيه .

 (4)تسرى أحكام هذا القانون على كل دعوى أو نزاع أمام المحكمة ولا تسري على النزاع أمام المحكمين أو الموقفين إلا إذا اتفق الأطراف على ذلك.

5-في هذا القانون ، ما لم يقتض السياق معنى آخر:-

( البينة ) يقصد بها أي وسيلة يتم بها إثبات أو نفي أي واقعة متعلقة بدعوى ، او نزاع أمام المحكمين أو الموفقين .()

شرح

الاثبات او البينة كلاهما إطلاق لمسمي واحد. تطلق علي الوقائع محل النزاع وللبينه() معان متعددة، سواء إن كان ذلك في اللغة أو في الاصطلاح, .. فقد عرفها الفقه بأنها هي الوقائع وشهادة الشهود والمستندات التي يمكن قبولها وفق قانون الاثبات، لإثبات أو نفي الوقائع المطروحة للبحث في أي إجراء قضائي .

كما أن هناك تعريف أخر للبينة هو" كل وسيلة قانونية يمكنها أن تؤدي لإثبات أو نفي أي واقعة. وقد أختلف الفقهاء اختلافاً بيناً في تفسير المعنى الإصطلاحى للبينه من الناحية الشرعيه. اما في القانون الوضعي، فلا خلاف يذكر في معنى كلمة إثبات. هذا وقد أوضحت مصادر التشريع الإسلامي أهمية إقامة الدليل والبينة في القرآن والسنة وغيرهما من مصادر، وبينت مكانة الإثبات وإقامة الحجة على اى إدعاء, وسنتعرض لذلك علي التفصيل المبين أدناه:


الـمبحث الثالث

مفهـوم البينة والإثبات في اللغة

والاصطلاح الشرعي والوضعي


المطلب الأول

البينة في اللغة

للبينه في اللغة معان متعددة كثيرة منها 

1- الوضوح

جاء في القاموس المحيط : بان بياناً اتضح ، فهو بين () كما جاء في لسان العرب وابنته أنا اى أوضحته واستبان الشيء ظهر واستبنته أنا اى عرفته وتبين الشيء " ظهر " وقالوا أبان الشيء واستبان وتبين وأبان وبين بمعنى واحد والتبيين : الإيضاح والتبيين أيضا الوضوح () ومنه قوله تعالى "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي "() بمعنى وضح الفرق بين الرشد والغي، وفسرت الآية الآنفه؛ بان لا تكرهوا أحدا على الدخول في دين الإسلام فانه بين واضح جلي دلائله وبراهين()

2- التأكد واليقين 

ومنه قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا " () فالايه توجب الاستبيان والتأكد من صدق الفاسق إذ جاء باى خبر من الأخبار.

3- المعجزة

ومنه قوله تعالى " قد جاءتكم بينه من ربكم هذه ناقة الله لكم آية () 

وقد تعنى الأمارة وهى البرهان، وذلك في قوله تعالى " قالوا ياهود ما جئتنا ببينه " () والبينة مؤنث البين وجمعها بينات () وكذلك فان الإثبات في اللغة؛ فقد  جاء في المصباح المنير" ثبت الشيء يثبت ثبوتاً ، دام وإستقر فهو ثابت وبه سمى وثبت الأمر صح ويتعدل بالهمزة والتضعيف فيقال أثبته وثبته والاسم الثابت والاسم الثبات وثبت في الحرب فهو تثبيت مثال قرب فهو قريب وأسم ثبت بفتحتين ومنه قيل للحجة" () 

وجاء في القاموس المحيط" ثبت ثباتاً وثبوتاً فهو ثابت وتثبيت وثبت وأثبته والتثبيت الفارس الشجاع"() 

وجاء في مختار الصحاح" ثبت الشيء من باب دخل وثباتاً أيضا وأثبته غيره وثبته أيضا وأثبته ، السقم اذا لم يفارقه" وقوله تعالى " ليثبتوك "  اى يجرحوك جراحة لاتقوم معها وثبت في الآمر اسثبت بمعنى ، ورجل ثبت بسكون الباء اى ثابت القلب ورجل له ثبت عند الحمل الباء اى ثبات ونقول لا أُكلم بكذا إلا بثبت بفتح الباء اى بحجه والتثبيت الثابت الفعل() والمعني المناسب اذا هو التأكيد وإقامة الحجة والبرهان 

المطلب الثانى

مفهوم البينة في الاصطلاح الشرعي

الإثبات في اصطلاح فقهاء الشريعه الاسلاميه هو إقامة الدليل على أمر، وهذه الادله تعرف باسم البينات () 

البينة كما عرفها الزمخشرى هي الحجة الواضحة () فيقول الله تعالى ليهلك من هلك على بينة " ()

 والبينة هي كل ما يبين الحق ويظهره من الحجج الشرعيه، وقد أختلف الفقهاء في المفهوم الفقهي لكلمة البينة على ثلاثة أقوال :

 فمنهم من ذهب الى أن المراد بالبينة في لسان الشرع؛ هم الشهود وحدهم، وهذا ما قرره معظم فقهاء الشافعية وبعض فقهاء الحنابلة () 

و ذهب فريق آخر الى أن المراد بالبينة في لسان الشرع. والحجة والدليل، ومن ثم فإنها تصدق على كل ما يبين الحق ويظهره، وهذا ما قرره الجمهور() 

اما إبن حزم فيذهب الى أن البينة تعنى الشهادة وأضاف إليها علم القاضي وسنورد الآراء الثلاث مع بيان أدلتها كل على حد ه .

القول الأول: البينة تعني شهادة الشهود

بالنظر في كتب الفقهاء يظهر أن البينة في اصطلاحهم هي شهادة الشهود،  وقد نقل ابن القيم هذا التخصيص عنه إنما يرجع لأمرين هما 

1- إنها وردت في لسان الشرع مراداً بها الشهود في أكثر من موضع ففي عقوبة القذف يقول عزَ وجل "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا باربعه شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً " ()كذلك يقول "واشهدوا ذوى عدل منكم... واستشهدوا شهيدين من رجالكم (6) " 

2-  في السنه وكما روى في قضية هلال بن أميه عندما قذف إمرأته عند النبى "صلي الله عليه وسلم " بشريك بن سحماء وقال النبي "صلي الله علية وسلم " البينة أو حد فقال يارسول الله اذا رأى احدنا رجل على امرأته ؛ أيلتمس البينة ؟ فجعل النبي "صلي الله عليه وسلم " البينة وإلا فحد في ظهرك فقال هلال والذي بعثك بالحق نبياً أنى لصادق ولينزلن الله في أمرهم ما يبرى به ظهره من الحد() فنزلت الأيه والذين يرمون ازواجهم......." وفى الحديث طالب الرسول صلى الله عليه وسلم هلالاً بالبينة وهى معلومة للجميع بان المراد بها شهادة الشهود.

وكذلك قول الرسول صلي الله عليه وسلم للأشعث بن قيس " شاهداك أو يمينه وفى رواية " ألك بينه؟ () ووجه الدلالة في الحديث أن المراد بالبينة هنا هما الشاهدان كما تحدث القرآن عن أهمية الإثبات بالشهود في مواضع اخرى.

القول الثاني: البينة هي الدليل والحجة

ذهب جانب أخر من الفقهاء الى أن البينة هي اسم لكل ما يبين الحق ويظهره فهي اعم من الشهادة، ومن خصها للشاهدين أو الأربعة أو الشاهد لم يوف مسماها حقه ، ولم تأت البينة في القران مرادا بها الشهود فقط ،كما في قوله عز وجل "ولقد أرسلنا رسلنا بالبينات " () كذلك في قوله تعالى "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات" () وان قول النبي صلي الله عليه وسلم (ألك بينة ) إنما يفسر بما يظهر الحق ، فان الشارع في جميع المواضع يقصد ظهور الحق بما يمكن ظهوره به من البينات التي هي أدلة وشواهد عليها،ولا يرد حقاً قد ظهر بدليله أبدا ()

كذلك قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه في رسالة القضاء المشهورة "البينة على المدعى () فالمراد بها أن على المدعى ان يصحح دعواه ليحكم له، والشهود من البينة ،ولاريب فى ان غيرها من انواع البينات قد يكون اقوى منها.

ويقول صاحب كتاب تبصرة الحكام "اعلم ان البينة اسم لكل ما يبين به الحق ويظهره وسم النبي صلي الله عليه وسلم الشهود بينة لوقوع البيان بقولهم وارتفاع الاشكال بشهادتهم () وعلى هذا فان الشهاده كانت فى الماضى هى الدليل الغالب ، وكانت الأدله الأخرى من الندره بحيث انها لاتذكر بجانب الشهاده فإنصرف لفظ البينه الى شهادةالشهود دون غيرها ()

القول الثالث :- البينه تعنى علم القاضى والإقرار 

فى معجم فقه ابن حزم الأندلسى ، ورد ان درجات البينه اقوى ماحكم به القاضى بعلمه ثم بالإقرار ثم البينه () وقدم علم القاضى على سائر ادلة الإثبات ، فهى عنده اقوى البينات لانه اقوى ماحكم به القاضى بعلمه لانه يقين ثم بالإقرارثم بالبينه .القول الراجح بعد عرض الآراء الثلاثه فى المعنى الإصطلاحى للبينه ،وتوضيح دعائم كل قول ، يبدو ان القول الثانى والذى يرى ان البينه هى كل مايبين به الحق ويظهره هو القول الأصوب وذلك للأسباب الآتيه :-

1- عنى القرآن بالشهاده فى الإثبات خاصه فى جرائم الزنا والقذف () وغيرهما ، الا ان هذا لايعنى انه قد حصر الإثبات بالشهاده فحسب ، بل اخذ بكافة انواع البينات التى تظهر الحق وتوضحه وعلى سبيل المثال ما جاء فى سورة يوسف " وشهد شاهد من اهلها إن كان قميصه قده من قُبل فصدقت فهو من الكاذبين وإن كان قميصه قُد من دُبر فكذبت وهو من الصادقين "() وهو من قبيل الإثبات بالقرائن .

2- اما ما قيل بشأن قضية هلال بن اميه ان النبى صلي الله عليه وسلم  طالبه بالبينه وقد اوردها معرفه بالألف واللام ، ذلك لسبق نزول الآيه القرآنيه التى اوجبت إثبات جريمة الزني بأربعه شهود،  ولم يتنزل قرآن حينها بشأن من قذف إمرأته ، لذا طالبه النبى صلي الله عليه وسلم بالبينه المعروفه فى ذلك الحين ، ولم يعنىان المقصود من ذلك البينه مطلقاً انما اراد شهادة الشهود فحسب .

3- ان المقصود من البينه كما وردت فى لسان الشرع هى الحجه والبرهان والدليل ومن ثم فان حملها على الشهود وحدهم تخصيص بلا مخصص فيلزم عليه حمل كلام الشارع على غير المراد وهذا غير جائز . وقد افاض ابن القيم فى كتابه اعلام الموقعين فى شرح ذلك ()

4- ان التعميم فى معنى البينه يتفق ومقاصد الشارع من توطيد دعائم العدل وحفظ الحقوق على اربابها ، خصوصاً فى هذا العصر الذى تعددت فيه المشكلات وكثرت فيه الخلافات وساعد تقدم العمران على إستحداث مايظهر بها جانب الحق كتسجيل الحوادث بالصوت والصوره والبصمات وغير ذلك من الوسائل المستحدثه مما لاتقل فى دلالتها واهميتها من شهادة الشهود ، ويترتب على إهمال العمل بها ضياع كثير من الحقوق ، الأمر الذى ينافى روح التشريع الإسلامى وسموه .

وقد تبنى قانون الإثبات السودانى 1993 هذا المذهب ، حيث فسر البينه بأنها اى وسيله يتم بها إثبات او نفى واقعه متعلقه بدعوى او نزاع امام المحكمين او الموفقين كذلك قانون الإثبات لسنة 1983 الملغى حيث اخذ نفس المنهج فى شمولية البينه( )


المبحث الرابع

مفهوم الاثبات في الفقة الوضعي

 إستعمل فقهاء القانون الوضعى الإثبات بمعناه الخاص ، وهو إقامة الحجه والدليل () غير انه يؤخذ من استعمالاتهم له ، انهم يطلقونه على معناه العام وهو إقامة الحجه مطلقاً سواء اكان ذلك على حق عام ام على واقعه ، وسواء كان امام القاضى ام امام سواه حنى اطلقوه على توثيق الحق وتأكيده عند إنشاء الحقوق والديون وعلى كتابة المحاضر والسجلات والدعاوى.

 كما اطلقه عامة الفقهاء على إقامة الحجه وتأكيد وجود بعض الأمور الحسيه وإكتشاف بعض مكنونات الكون ، وعلى تحقق بعض الأمور العلميه فى الطب والفلك والرياضه وغير ذلك من المجالات العلميه () وذلك ان كل قول فى اى علم من العلوم لاقيمة له إلا باثبات صحته وذلك لايتأتى الا بإقامة الحجه عليه والا كان قولاً مردوداً .

وقد يطلقونه ويريدون به معناه الخاص وهو ، اقامه الحجه  امام القضاء بالطرق التى حددها  القانون على حق او واقعه تترتب عليها اثار قانونيه () اذا هو ادعاء من احد طرفى الخصومه ، ينكر من الطرف الاخر ، فاذا افلح المدعى فى اثبات الواقعه المدعى بها يحكم له بها .

 وقد عرف فبسون ( phipson )   البينه القضائيه تعنى الوقائع وشهادات الشهود والمستندات التى يمكن قانونياً قبولها فى اثبات او نفى الوقائع المطروحه للبحث فى اجراء قانونى ()  وعرفه ويلز ( Wills) بانه الوسائل التى يتم عن طريقها اثبات اونفى اى واقعه تكون حقيقتها محل تحقيق او تحر ()  .

 ومن التعريفات السابقه  للمعنى للاصطلاحى للاثبات يلاحظ انها حددت شروطاً واركاناً للاعتداد بالدليل واعتباره حجه امام مجلس القضاء و تفصيل ذلك على النحو التالى :-

1/ اقامة الدليل 

و يعنى ذلك تقديمه الى من يراد اقناعه بالامر، وهذا يشمل الدليل العلمى والدليل العام امام القضاء وغيره.

2/ امام القضاء: 

وهذا القيد ضرورى فى الاثبات القضائى الذى تترتب عليه اثار من الالزام بالفعل او الترك ، ويفهم منه انه  ينصب على محل مرفوع للقاضى للبت فيه ، فاذا لم يكون هنال نزاع امام القضاء فلا معنى للإثبات .

3/  بالطرق التى حددها القانون .: 

يحدد القانون دائماً الوسائل التى يتم من خلالها تحصيل الدليل وتقديمه امام القضاء وهو هنا قانون الإجراءات "الجنائيه او المدنية"  دائماً والذى غايته تنظيم ووضع قواعد تحصيل الدليل ، فيجب ان تكون وسيلة تحصيل الدليل ومشروعية ، اى لاتتم بالمخالقه للقانون كالإثبات بالطرق الملتويه وإستعمال الأساليب غير الأخلاقيه .

اما قانون الإثبات الحالي فلم يحدد طرق الإثبات . وقد نظم قانون الإثبات الملغى لسنة 1983 طرق الإثبات () اما قانون الإثبات 1993 فلم يخصص نصاً معنياً لتحديد طرق الإثبات وان كان قد افرد لكل طريق نصوص منفرده واضاف اليها يمين اللعان ()

 وقد كانت بعض المحاكم قد اخذت البينه بالمعني الواسع واعتبرت البينه هي كل ما يبين به الحق ويظهرة ، وعملت بالقسامة كدليل اثبات باعتبار انها من القرائن رغم عدم النص عليه في قانون الاثبات حينها لسنة1983 الذي اورد وسائل الاثبات علي سبيل الحصر وهي الاقرار وشهادة الشهود والمستندات وحجية الاحكام والقرائن واليمين والمعاينه .والخبره ، وجاء خلوا من النص علي القسامه كطريق من طرق الاثبات فانه لايجوز اعتبار القسامه طريقا من طرق الاثبات في المسائل الجنائية اذ لا اجتهاد في مورد النص() 

4/ على حق او واقعه .:

 وهذا يعني الحق او الواقعة  محل الإثبات ، والمقصود فى معناه العام هو كل مصلحه يحميها القانون ()

 والواقعه القانونيه مصدر من مصادر الحق ، ذلك ان القاضى يجب ان يعلم شيئين هما الواقعه والحكم الذى يترتب على إثبات هذه الواقعه ، ويبقى الإثبات منصرفاً الى اقامة الدليل على الواقعه التى يترتب عليها القانون حكما معيناً ، وينبنى عليها حقوق والتزامات على طرفى الخصومه . 

5/ تترتب عليها آثار قانونيه .:

 وهذا هو الهدف من الإثبات ، فلا يجوز إثبات حق او واقعه لاتؤثر فى مراكز الأطراف القانونيه ، أو إثبات الأمور الطبيعيه او الماديه كاثبات طلوع الشمس مثلا. 

ومن الملاحظ ان معظم فقهاء القانون الوضعى قد إتفقوا فى تعريف البينه وحصرها فى الشهاده ، ولكنهم يستعملون البينه فى معناها العام . فالقانون السورى صدر بإسم البينات خلافاً لقانون الإثبات السودانى وقانون الإثبات المصرى .

وكان من الأفضل لو حذا المشرع السودانى حذو المشرع السورى واطلق قانون البينات لإعتبار السمه الإسلاميه لقانون الإثبات السودانى وقد عرف فقهاء الشريعه البينه ، واشار اليها كذلك القرآن الكريم  بلفظ البينه ولم يشر وهو فى معرض إثبات اى واقعه من الوقائع الى كلمة إثبات .

وردت نصوص عديده من القرآن والسنه واقوال الصحابه ، على ما يدل على طلب البينه قبل الحكم فى اى خصومه بين خصمين ، حتى لاتضيع حقوق العباد وقد تمسك الرسول صلي الله علية وسلم وصحابته من بعده كما سيرد لاحقاً فى تطبيق احكام الشريعه الإسلاميه الداعيه بتقديم البينه لكل من إدعى حقاً على آخر،  وهو ما عرف بعلم الإثبات فى القانون الوضعى ، وهذا مايؤكذ ان التشريع الإسلامى قد عرف الإثبات بمعناه القانونى السائد اليوم منذ امد بعيد ، مما يُعد أحد مزايا التشريع الإسلامى ، وتأكيد صلاحية هذا الدين لكل زمان ومكان ، وإستعداد الشريعه الغراء لإستيعاب كل مستجدات العصر الحديث وتطوراته . 

و للبينة اقسام

المباشرة وهي التي تثبت بواسطة شخص ادركها بنفسه ، وهناك البينة الظرفية والتي هي ان تثبت وقائع اخري ذات علاقة بالواقعة محل النزاع القضائي 























قواعد اصولية



القواعد أصولية()

5-تستصحب المحكمة عند نظر الدعاوى القواعد الأصولية الاتية: 

(أ)الأصل في المعاملات براءة الذمة والبينة على من يدعى خلاف ذلك 

(ب)الأصل براءة المتهم ،حتى تثبت أدلته دون شك معقول .

(ج) الأصل في أحوال الأهلية وحرية التصرف والبينة على من يدعى أي عارض على اهلية او قيام أي ولاية عليه.()

(د) الأصل صحة الأحوال الظاهرة والبينة على من يدعى خلاف ذلك.

(هـ) الأصل فيما ثبت بزمان بقاؤه على ماكان عليه لزمن معقول والبينة على من يدعى زواله او تحوله.

(و) الأصل في التدابير التشريعية والتنفيذية والقضائية إنها جارية على حكم القانون والبينة على من يدعى خلاف ذلك. 

(ز) لاينسب لساكت قول ولكن السكوت فى معرض الحاجة الى البيان بيان يجوز للمحكمة ان تستخلص ما تراه معقولاً.

(ح)من سعى لنقض ما تم على يديه فسعيه مردود عليه.

(ط) العرف اللفظي او العملى حجة اذا اضطرد او غلب.

شرح

هذه القواعد الاصولية توزع ما يعرف في الاصطلاح القانوني بعبء الاثبات The Onus of proving . or purden of prove حيث ان الاثبات كما هو معلوم حق للخصوم وواجب عليهم في ذات الوقت حيث انهم يقومون بدور ايجابي في اثبات او نفي الوقائع محل النزاع ويقدمون هذه الادلة الي القاضي الذي يوازن بين هذه الادلة ثم يصدر حكمة في الدعوي علي ضؤ ما ثبت لديه منها .

واذا كان اطراف الدعوي هم الذين يتولون تقديم ادلة الاثبات بين يدي القضاء، فانه يجب تحديد من منهم يتحمل عبء الاثبات، ولا تخفي اهمية هذا التحديد فاذا كان الاثبات علي احد الخصوم وعجز عن الاثبات فانه يخسر ادعائه.

وعلية فاذا ترك عبء الاثبات دون تحديد من يتحملة، فان كل خصم سوف يدفع به الي الطرف الاخر، الامر الذي يؤدي الي اطالة عمر الدعوي اكثر مما يجب مما، يترتب عليه عدم الفصل في الدعوي، لذلك فمن الاهمية تحديد من من الخصوم يتحمل عبء الاثبات. وقد قررت في هذا الشأن بعض القواعد التي تحدد أي الخصمين الذي يتحمل عبء الاثبات. وهذه القواعد يمكن ارجاعها الي مبدأ عام تصدر عنه.

وما تجدر الاشارة اليه هنا عند تطبيق هذه القواعد من الناحية العملية؛ ان عبء الاثبات لايقع علي احد الخصوم بصورة مطلقة، وانما يتحمل الخصم الاخر نصيب في الاثبات . ذلك اثناء سير الدعوي.

و يقتضي توزيع عبء الاثبات بين طرفي الخصومة جميعا دون انفراد احدهما بهذا العبء . توزيع عبء الاثبات علي هذا النحو قد يتم بواسطة القاضي باستخدام القرائن القانونية وقد يتم هذا التوزيع بحكم القانون.

 ومن المهم التنويه هنا ان هذه القواعد الاثباتية وما يتفرع عنها من توزيع عبء الاثبات وخلافه هي من النظام ، بمعني انها ملزمه للاطراف الذين لايجوز لهم الاتفاق علي ما يخالفها علي العكس من بعض القوانين .


المبحث الاول

القواعد التي تحكم عبء الاثبات

1/ البينه علي من يدعي 

من المقرر في الاثبات ان البينه علي من يدعي. وهذه القاعدة مأخوذه في الفقه الاسلامي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ ان النبي صلي الله عليه وسلم قال: " لو يعطي الناس بدعواهم لادعي اناس دماء رجال واموالهم ولكن البينه علي من ادعي()  وتعني القاعدة ان علي المدعي في الدعوي اقامة الدليل علي ما يدعية. ومن ثم فان المدعي هو الذي يتحمل عبء الاثبات.

ومن الطبيعي ان من يقيم دعوي ضد شخص يطالبة بحق معين، يعتبر مدعيا في هذه الدعوي، ومن ثم يقع علية عبء اثبات ما يدعيه، واذا دفع المدعي عليه بدفع معين فانه في هذه الحالة يصبح مدعيا فيقع علية عبء اثبات ما ادعاه 

وعلي ذلك يمكن ان يقال ان المدعي هو الذي يقيم الدعوي او يدفعها بدفع معين ويقع عليه عبء اثبات ما يدعية او ما يدفع به الدعوي.

وفي القضايا الجنائية فقد ارسي القضاء الاحكام الاتية

حكومة السودان ضد محمود احمد عبدالغفار حيث ذكرت المحكمة ان عبء اثبات سؤ السلوك والقصد الجنائي يقع علي عاتق الاتهام ليقدم من البينات دلالة ما تجعل المحكمة تتوصل الي اثبات التهمة بالمعني الجنائي 

وفي حكومة السودان ضد ابراهيم الغالي سليمان() بينت المحكمة انه علي الاتهام في القضايا الجنائية ان يثبت جرم المتهم بما لا يدع مجالا للشك المعقول.

وفي نفس الصدد قررت السابقة حكومة السودان ضد علي عبداللطيف()  ان درجة الاثبات المطلوبة للنهوض بعبء الاثبات في قضايا الجمارك هي نفس الدرجة المطلوبة بالنسبة لانواع الجرائم الاخري، وهذا يتماشي مع ازاحةعب الاثبات عن كاهل المتهم في قضايا الجمارك، وتحميلة للاتهام كما في بقية الجرائم؛ وفقا للتعديل القانوني الذي ادخل علي قانون الجمارك سنة1973م " قانون رقم 21 لسنة1973م ملحق التشريع 1156 بتاريخ 30/12/1973م " 

وفي قضية ح س ضد عثمان بشير محمد() اشارت المحكمة الي ان فشل المتهم في تقديم مستندات تثبت دخول البضاعة بالطرق الرسمية لا يعفي الاتهام من اثبات ان البضاعة مهربة اعمالا للفقرة223/ 2 المعدلة لسنة1973م التي تقضي بان عبء الاثبات يقع علي المدعي

وهذا لا يعفي المدعي علية من اثبات ادعائاتة التي يبديها اثناء نظر الدعوي , فاذا ادعي مثلا الجنون فيقع علية عبء اثبات عدم سلامة حالتة العقليه ، وكذلك تسنطيع المحكمة من تلقاء نفسها اذا لاحظت خلال المحاكمة ان المتهم الماثل امامها يعاني من خلل عقلي ، ان تتبني هذا الدفع نيابة عنه وترسله الي اخصائي الامراض العقلية ورفع تقرير عنه وفقا للمنشور الجنائي رقم 21. ()

2/ البينه علي من يدعي خلاف الاصل

اذا كانت القاعدة السابقة وهي البينه علي المدعي تبدو واضحه الا ان التطبيق العملي لها قد يثير بعض الصعوبات. منها  انه في بعض الحالات يقع عبء الاثبات علي المدعي علية ابتدأً، وقبل ان يبدي المدعي اثباتة علي ادعائة , كما اذا اقام القانون قرينة قانونية لمصلحة المدعي فينتقل عبء الاثبات في هذه الحالة الي المدعي علية. وكذلك في حالة دفع المدعي عليه بدفع معين فانه يجب عليه اثبات هذا الدفع .

وفي الحقيقه فان عبء الاثبات يظل متنقلا بين طرفي الدعوي الي ان يعجز احدهما عن الاثبات فيخسر الدعوي .

وعلي ذلك فان تحديد قاعدة البينه علي من يدعي تبدو غير كافية لتحديد من يتحمل عبء الاثبات في جميع الحالات.

 فوضعت قاعدة اكثر انضباطا وهي ان البينه علي من يدعي خلاف الاصل، أي من يتمسك بالثابت اصلا ولا يقع علية عبء الاثبات، وانما يقع هذا العبء علي من يدعي خلاف الاصل.

والحكمة من هذه القاعدة هي ان من يتمسك بالثابت اصلا، وان كان من الجائز الا يكون علي حق من ناحية الواقع والعداله الا انه جدير بالحماية حرصا عل استقرار التعامل ومن ثم فلا يكلف بالاثبات() 

ولكن هذا الاصل الذي يعفي من يتمسك به في الاثبات في حاجة الي تحديد ، لذلك وضع الفقه بعض القواعد الخاصه بتحدد الاصل في الحقوق الشخصية براءة الذمة والاصل في الحقوق العينية هو الامر الواقع او الظاهر والثابت فرضا كالثابت اصلا وكالثابت ظاهرا  ونبحث هذه القواعد باختصار

3/الاصل في الحقوق الشخصية براءة الذمة

ان الاصل في مجال الحقوق الشخصية هو براءة الذمة من أي التزام، فالاصل ان الذمه بيضاء من أي التزام يلزمها، وعلي ذلك فمن يدعي خلاف هذا الاصل يقع علية عبء الاثبات، وعندها ينقل العبء الي الطرف الاخر.

وكذلك بالنسبة للاهلية للتعاقد فان الاصل ان كل شخص اهل للتعاقد مالم تسلب اهليتة او يحد منها بحكم القانون 

4/الاصل في الحقوق العينية هو الظاهر 

في مجال الحقوق العينية فان الاصل هو الظاهر فحائزالعقار يعتبر صاحب حق عليه، ومن ينازعة هذا الحق يقع علية عبء الاثبات، والظاهر ان حق الملكية غير مثقل بحق عيني، فمن يدعي مثلا ان له حق ارتفاق او حق انتفاع علي عقار معين فان عليه اثبات هذا الحق لانه يدعي خلاف الظاهر.

وتجب ملاحظة انه اذا كان الاصل في الحقوق العينية هو الظاهر، فاذا وجد دليل قانوني يناقض الظاهر، وجب تركة والاخذ بالدليل القانوني الذي يصبح في هذه الحاله هو الاصل الذي يعتد به 

5/الثابت فرضا كالثابت اصلا وكالثابت ظاهرا 

اذا كان عبء الاثبات يقع علي من يدعي خلاف الاصل، كما سبق القول فان القانون في بعض الاحيان يفرض ثبوت وضع معين بواسطة قرينة قانونية ينص عليها، فيكون هذا الوضع الثابت فرضا كالثابت اصلا في مجال الحقوق الشخصية وكالثابت ظاهرا في مجال الحقوق العينية. كمسئولية حارس الحيوان من الحيوان ومسئولية حارس البناء عن تهدم البناء ومسئولية حارس الالات الميكانيكية. فاذا وقع ضرر لاحد الاشخاص من حيوان او نتيجة لتهدم بناء او من الة ميكانيكية فلا يكلف المضرور في دعوي المطالبة بالتعويض باثبات خطأ الحارس في هذه الحاله لان المشرع قد اقام قرينة قانونية عن هذا الخطأ ويكون الثابت فرضا في هذه الحاله كالثابت اصلا.

كذلك في مجال الحقوق العينية، اذا فرضت قيود معينة تحد من من حق مالك العقار في البناء كيف شاء، كأن يمنع من تجاوز حد معين في الارتفاع بالبناء او مساحة رقعتة فان هذه القيود تكون حقوق ارتفاق علي هذا العقار لفائدة العقارات التي فرضت لمصلحتها هذه القيود.

6/البينه علي من يدعي خلاف الثابت فعلا 

الثابت فعلا هو ما اقام الخصم علية الدليل بالطريق القانوني. فاذا اراد احد الخصوم ان يدعي خلاف هذا الثابت فعلا فان عبء الاثبات يقع عليه.

فاذا رفع الدائن دعوي علي مدينة يطالبة الوفاء بالدين فان الدائن يقع عليه عبء اثبات الدين لانه يدعي خلاف الاصل الذي هو براءة الذمة. فاذا اثبت الدائن هذا الدين بالطريق القانوني فان عبء ينتقل الي المدين، فيجب علية اثبات انه قام بالوفاء بالدين.

7/مبدا عام تصدر عنه قواعد عبء الاثبات

هذا المبدأ يمكن تلخيصة فيما يلي كل من يتمسك بالثابت حكما او بالثابت فعلا يعفي من عبء الاثبات الذي يتحملة من يدعي خلاف الثابت حكما او الثابت فعلا


المبحث الثاني

دور المحكمة في عبء الاثبات

كما قد يتم توزيع عبء الاثبات قضائيا بواسطة المحكمة حيث تطلب المحكمة من الخصم المدعي ان يدعم ادعائه بالاثبات والا خسر ادعائة, وهو امر تقدرة المحكمة اثناء سير الدعوي يستخلص من الوقائع التي تقوم عليها الدعوي . وقد قررت المحكمة قي قضية حكومة السودان ضد هاشم شرف الدين والتي سبقت الاشارة اليها قبلا ؛ انه من المعلوم ان عبء اثبات عدم سلامة حالة المتهم العقلية يقع اساسا علي المتهم . وكذلك تستطيع المحكمة من تلقاء نفسها اذا لاحظت خلال المحاكمة ان المتهم الماثل امامها يعاني من خلل عقلي ان تتبني هذا الدفع نيابة عنة وترسلة الي اخصائي الامراض العقلية ورفع تقريرعنه وفقا للمنشور الحنائي رقم 21.

وسارت المحكمة في قضية حكومة السودان ضد ادم الضيء " انه علي الرغم من ان عبء اثبات الدفع بالظروف التي تجعل من من جريمة القتل قتلا لا يرقي الي درجة القتل العمد يقع علي المتهم الا ان المحاكم في السودان تميل الي التحلل من قيود الشكليات والتفسير الضيق للقانون ، ومن ثم اذا تبين للمحكمة من الادلة المطروحة امامها  توافر أي دفع وكانت تلك الدفوع لصالح المتهم فانها تتصدي له من تلقاء نفسها ولو لم يدفع به المتهم صراحة اذًا يحدد الشخص الذي يقع علية عبء الاثبات طبقا للمبدأ العام المستلخص فيما سبق. فان هذا الشخص يكلف باثبات ما يدعية بطرق الاثبات المقررة قانونا .

وتوزيع عبء الاثبات قد يتم بمعرفة القاضي اثناء سير الدعوي بواسطة القرائن القضائية، كما قد يتم بحكم القانون بواسطة القرائن القانونية حيث يفرض القانون وضعا معينا عن طريق القرينة القانونية فيعفي احد الخصوم من اثبات مسألة معينة وينتقل عبء اثبات عكس ما يفرضة القانون علي الخصم الاخر وهنا تكون القرينة القانونية بسيطة تقبل اثبات العكس وفي بعض الاحيان تكون القرينة القانونية قاطعة لا تقبل اثبات العكس.






الفصل الثالث

البينــــــه


المبحث الاول

شروط قبول البينة

النص

6- يجب ان تكون الوقائع المراد إثباتها ،متعلقة بالدعوى، منتجة فيها ،جائزاً قبولها() .

الوقائع المتعلقة بالدعوى

7- تعتبر متعلقة بالدعوى :

(أ)الوقائع محل النزاع .

(ب)الوقائع المرتبطة بها بحيث تشكل معها جزءاً من عصبة واحدة.

(ج) الوقائع الظرفية التى:-

(اولاً) تكون مناسبة او سبباًاو نتيجة للوقائع محل النزاع ،او تكشف عن طبيعتها اومدادها اومكانها او زمانها او غير ذلك مما يحيط بها.

(ثاتياً) تبين او تشكل دافعاً او قصداً لاي واقعة محل النزاع ،والوقائع التى تكشف عن أي حالة ذهنية اونية او احساس مما يتصل بالواقعة محل النزاع .

(ثالثاً ) تبين هوية الاشخاص واحوالهم الجسدية وسلوكم وعلاقاتهم والوقائع المؤثرة على ذلك ممايكون متصلاً بالواقعة محل النزاع .

(رابعاً) تبين كون  الفعل المعين من نهج سوابق متشابهة كانت للفاعل صلة بها من اجل اثبات ان الفعل كان عرضاً او مقصوداً او انه اتخذ بقصد اوعلم خاص او تبين اسلوب تعامل يتم به الفعل عادة من اجل اثبات انه قد تم او لم يتم .

شرح 

كانت الوقائع محل النزاع والمترابطة تسمي بنظرية البينات المرتبطة بالفعل، وتعني هذه النظرية " العبارات المصاحبة والموضحة للحقائق موضوع البحث او النزاع وتكون مرتبطه بها او جزء منها".

وتشترط المادة لاعتبار الواقعه مشابهه 

1/ ان تكون ذات صلة بالفعل

2/ ان تكون معاصرة له وليس بالضرورة في نفس اللحظه بل يمكن ان يكون هناك فاصل زمني بين الفعلين.. وصدرت ممن وقع الفعل منه

3/ ان يكون الفعل الذي تصاحبة تلك العبارات او الوقائع موضوع نزاع او مرتبط بالوقائع محل النزاع 

والواقعة محل النزاع يقصد بها كل واقعة يثيرها الخصم وينكرها الاخر ويشمل ذلك بيان طبيعة تلك الواقعة ومداها وهذا وحده يعقد الاختصاص للمحاكم لاصدار حكم في شأنها() 

4/ ان تكون الاشارات مقترنة بالفعل من الناحية الزمنية، وقد جاء في السابقة الانجليزية R-V Beding Field  واجة المتهم تهمة قتل امراه بقطع حنجرتها .. وكان دفاعة انها انتحرت.. فقد خرجت المجني عليها من نفس الغرفة التي وجد بها المتهم.. وكانت حنجرتها مقطوعة وصاحت في الحال.. انظروا ماذا فعل بي Beding Field ثم ماتت قبل اسعافها. 

وقد رفض رئيس القضاء قبول العبارات الصادرة من المجني عليها باعتبار انها قيلت بعد فترة زمنية من وقوع الفعل.ويعلق العلامةcross علي ذلك بقوله " ان تصريحات المجني عليها قد اخذت في البينة باعتبارها اقوال محتضر، لانها في الوقت الذي ادلت فية بتلك التصريحات ليس هناك ما يشير الي انها كانت تتوقع الموت وفاقدة للامل في الحياة" 

وهناك وقائع لايكون لها ارتباط بالدعوي ولكنها تؤثر فيها سلبا او ايجابا ، وهي ما يعرف بالبينات الظرفيه والتي سوف اتناولها فيما يلي.

 حيث ورد في عجز النص الوقائع الظرفية التي انكشفت عن طبيعتها او مدتها او مكانها او زمانها او غير ذلك مما يحيط بها .


المبحث الثاني

بعض انواع البينة

المطلب الاول

البينة الظرفيةCircumstantial Evidence

  هي وقائع غيرالوقائع محل النزاع ولكنها ارتبطت بها بحيث تكون معها سلسلة منطقية تؤدي الي استنتاج وجود الواقعة المراد اثباتها وهذا الارتباط اما ان يكون النتيجة الحتمية لطبيعة الاشياء فتكون قرائن الاحوال في هذه الحاله دليلا دامغا واما ان تكون نتيجة محتمله فتكون قرائن الاحوال دليلا مفترضا وتعتمد الادانه الاخيرة علي قوة ورجحان احتمال النتيجة 

ولذلك لادانة المتهم بالبينة الظرفية يجب ان تؤدي الوقائع الثابتة الي استنتاج واحد فحسب هو ارتكاب الجريمة بواسطة المتهم؛ بحيث لايكون هناك استنتاج معقول اخر يتفق وبراءة المتهم() .قد تكفي البينة الظرفيةلوحدها للادانة، اذا اقتنعت المحكمة بكفايتها دون ادني شك.مع مراعاة ان قيمتها تزداد كلما زاد عدد الوقائع التي تنبني عليها البينات الظرفية

شروط قبول البينة الظرفية

ولكي تكون البينات الظرفية صالحة كاساس للادانه يجب ان

1/ تكون قاطعة في طبيعتها ومنحاها بحيث يمتنع معها أي تحصيل اخر غير جرم المتهم وانما تسير في اتجاه واحد وهو تجريم المتهم () 

2/ان تثبت حلقات البينة الظرفية وراء مرحلة الشك المعقول

3/ وان يؤدي استقراء حلقات تلك البينة الي استنتاج معقول واحد وهو جرم المتهم والا يؤدي استقراء البينة الظرفية الي استنتاج معقول يتفق وبراءة المتهم()

  وقد جاء في سابقة ح س ضد علي محمد حماد حيث قررت المحكمة"ان تصرف المتهم  في المبالغ التي في عهدتة وتحويلها لمنفعتة الخاصة خيانة انه يمكن اثباتة ببينة مباشرة يمكن ان يقدم الاتهام  بينة ظرفية لاثبات هذه العناصر بشرط ان تكون البينات الظرفية لا تحمل تفسيرا مقبولا خلاف ان المتهم حول هذه المبالغ لمنفعتة الخاصة. واهم البينات الظرفية التي يمكن ان تقدم لاثبات   الخيانة فشل المتهم في اعطاء تبريرات معقولة لاختفاء المبلغ 

ولذلك فلا ضرورة لبينات مباشرة تشير الي تحويل المتهم الاموال المختلسة لمنفتة الشخصية خيانة بل يكفي استنتاجها من الوقائع الظرفية التي تثبت امام المحكمة "




المطلب الثاني

الدوافع والمقاصد والحالة الذهنية

كانت تعرف في القانون المدني السابق الذي كان مطبقا في السودان قبل قانون 1983م بتصريحات المتوفي ضد مصلحتة والتقريرات اثناء تأدية الواجب واقوال المجني عليه عن حالتة العملية والفعلية وهذه كلها استثناءات للبينة السماعية.

فالتصريحات الشفوية او المكتوبة الصادرة من المتوفي ضد مصلحتة المادية تكون مقبولة في البينة ومتعلقة بالواقعة التي اشتملت عليها اذا كان المتوفي علي علم بن تلك التصريحات ادلي بها ضد مصلحتة المادية.ويشترط لقبول هذه البينه حتي تصير متعلقة بالدعوي 

1- موت من صدرت منه تلك التصريحات 

فان كان حيا فلا تقبل تصريحاتة. بل يتعين احضاره ;;كمدعي عليه. وجاء في السابقة Stphen V. Bwenap  ان دفع المدعي علية بانه قد قام بسداد جزء من الدين المطلوب عليه .. كوكيل المدعي.. والتمس المدعي عليه تقديم دفاتر وكيل المدعي الذي هرب. ورفضت المحكمة قبول الطلب لعدم ما يثبت موت وكيل المدعي.

2- ان يدعي بها ضد مصلحتة المادية حقيقة . أي ما يعرضه لخسارة او ضرر في ماله او عقاره.أ ما يعرضه لخطر المسئوليه الجنائيه فلا يعتد به تحت هذا البند وفي السابقة Sussenc Peerage case قرر مجلس اللوردات ان اقرار المتوفي غير مقبول في البينة كدليل  علي صدقه لانه يعرضه الي خطر المسئولية الجنائية . 

وقد جاء ايضا في ورثة قسم الله ضد ام حقين قسم الله زايد " حيث قبلت البينه السماعيه استنادا للقاعدة العامة اذا كانت منقولة عن شخص متوفي وكانت ضد مصلحتة العقارية. 

وفي هذه السابقة قبلت المحكمة اقوال الشهود الذين قالوا انهم سمعوا المرحوم مورث المدعين قال ان المدعي عليها لها الحق في نصف المنزل.



المطلب الثالث

التقريرأثناء تأدية الواجب

ان التقريرات الشفهية او المكتوبة الصادرة من الشخص اثناء تأدية عمله او واجبه الرسمي تقبل في البينة بعد موت الشخص لاثبات ما اشتملت عليه من حقائق . ويشترط لذلك 

1- موت من صدرت منه الاقرارات او التصريحات 

2- ان يكون هناك واجب علي الشخص ان يقوم بتسجيل تلك الاقرارات او التصريحات 

3- ان تتم القيودات اثناء تأدية او بعد تادية الواجب مباشرة. وفي السابقة Poice V. Torringten  تمت القيودات في المساء عن الامر وقدمت البينة اثناء اليوم التالي وقد قبلت البينة ، ولكن في السابقة Henry V. Coxon  ان القيودات المتعلقة بحادث تصادم سفينتين سجل في السفينة بعد يومين من الحادث فلم تقبل البينة

4- يجب ان الا يكون من سجل القيد له مصلحه في تسوية الحقائق . وفي سابقة henry  اعلاه تبين ان من قام بتدوين القيودات في سجل السفينة كانت له مصلحه في تسوية الحقائق لكي ينفي الاهمال من جانبه 

اما اقوال المجني عليه عن حالتة الذهنية او العقلية والامه النفسية مقبولة في البينة السماعية بشرط ان تكون مرتبطه ارتباطا وثيقا بالجريمه كاقوال الشخص المسموم عن حالتة الصحية قبل مرضه اثناء تسممه.. ذلك لان هذه الاقوال متعلقة بامور لا يمكن ان يشعر بها الشخص الذي وقعت عليه الا عن طريق حواسه .





المطلب الرابع

هوية الاشخاص وعلاقاتهم وسلوكهم

كانت تتناول عما عرف بالبينه عن الاخلاق Evidence as to character فمثلا يجوز للطرف الذي يجري المناقشة ان يتقدم بالبينه عن سؤ اخلاق الشاهد لزعزة الثقة فيه واضعاف الوزن الذي تعلقة المحكمة علي اقواله التي ادلي بها في الاستجواب , ذلك ان اخلاق الشاهد تؤثر دائما في مدي الثقة في الشهادة التي يدلي بها .

كما تؤثر علي وزن البينه, وبالتالي فان اخلاق الشاهد يمكن دائما ان تكون واقعة محل اثبات وتقبل البينه عنها .ولو تعرضنا لاخلاق المتهم characher of the accused  فاننا سوف نتناول نوعين من الاخلاق 

1/ الاخلاق الحسنه

من المعلوم في القضايا الجنائية وبناء علي دوافع انسانية يسمح للمتهم باثبات انه يتمتع باخلاق حميدة وذلك بغرض تقوية قرينة براءته او تخفيف العقوبه وذلك تحت الشروط التالية :.

أ/ ان تكون الاخلاق محل الاثبات متصلة بالجريمة محل الاتهام 

ب/ ان تكون الاخلاق محل الاثبات راجعة الي تاريخ مقارب للتاريخ الذي وقعت فيه الجريمه 

ج/ ان تكون الاخلاق محل الاثبات عامه وليست مرتبطة بظروف واشخاص معينه وفي كل الاحوال اذا اراد المتهم تقديم بينه لاثبات حسن اخلاقة يجوز له ان يطلب استدعاء الشهود لذلك.. 

وقد حكمت محكمة الاستئاف الانجليزية: بان الشاهد لا يجوز له ان يشير في شهادتة الي رايه الفردي.. عن اخلاق المتهم بل يجب عليه ان بشير الي السمعه العامه للمتهم في المجتمع.

2/ الاخلاق السيئة للمتهم 

القاعدة العامة هي ان البينة عن الاخلاق السيئه للمتهم غير مقبوله لاثبات هذه الاخلاق. وان قبول البينه عن سؤ الاخلاق فيه اضرار بالمتهم لانها تناقش وتكشف سيرتة وسلوكه في كل حياتة الماضية بطريقة فجائية، واستثناء من القاعدة اعلاه تقبل البينه عن الاخلاق السيئه للمتهم في حالتين. 

أ/ عندما يتقدم المتهم ببينه عن حسن اخلاقه او يناقش شهود الاتهام محاولا اثبات حسن اخلاقه او محاولا الطعن في اخلاقهم.. وهنا يجوز للمدعي او ممثل الاتهام ان يفند البينه التي يتقدم بها المتهم لاثبات حسن اخلاقه 

ب/ عندما تكون البينه عن الوقائع المماثله او الادانات السابقه مقبوله

اخلاق المجني عليه

عندما تكون الاخلاق العامه للمجني علية محل نزاع character in issue فان الضرورة تحتم قبول البينه عن اخلاقه.. مثلا في قضايا القذف واشانة السمعه تعتبر اخلاق المجني عليه واقعة محل نزاع اذا دفع المتهم بصحة الواقعة التي اسندها للمجني علية وبان الصالح العام يقتضي اسنادها ونشرها 

العلاقة بين الخصوم والشهود في الدعوي المدنيهcharacter of parties and wetnesses in civil cases 

في قضية كاتان ضد جون كاتان() تقرر "ان البينة عن اخلاق الخصوم والشهود غير مقبولة .. الا اذا كانت هذه الاخلاق محل نزاع في الدعوي"

المطلب الخامس

المنهج كدليل علي القصد والفعل

تعتبر متعلقة بالدعوي  الوقائع التي يتبين لون الفعل المعين من نهج سوابق متشابهه كانت للفاعل صله بها من اجل اثبات ان الفعل كان مقصودا او انه اتخذ بقصد  او علم خاص كما تعتبر متعلقة بالدعوي الوقائع التي تبين اسلوب تعامل يتم به الفعل عادة من من اجل اثبات انه قد تم او لم يتم 

بينة الوقائع المتماثلة similarfacts evidence 

فالقاعده العامه هنا – ان الواقعة المماثلة او المشابهة فقط لا الواقعة الاساسية محل النزاع – لاتقبل كبينة لاثبات وجود الواقعة الاساسية..

 وبالتالي لاتقبل البينه عنها، فلاثبات ان شخصا معينا اتي فعلا معينا, لاتقبل البينه هنا لاثبات ان هذا الشخص قد اتي سواء بنفسه او بواسطة اخرين افعالا مشابهة في مناسبات سابقه تكشف عن الاستعداد او وجود النزعه نحو ارتكاب الفعل محل النزاع.

فالوقائع المتماثلة رغم انها تبدو منتمية منطقيا للوقائع الاساسية محل النزاع فان القانون يرفضها كبينة و لا يسمح باثباتها. واساس استبعادها هو المصلحة العامه – لانها تؤدي الي خلق الاضطراب في الاجراءات القضائية وستتنشغل المحكمة بمنازعات وبحث في منازعات موازية وثانوية كما ان قبولها يؤدي للاضرار بالمتهم في دفاعه 

الاستثناءات 

رغم ان القاعدة العامه هي عدم قبول البينة لاثبات الوقائع المماثلة وعدم قبول الواقعة المماثلة كبينة لاثبات الواقعة الاساسية وصلة المتهم بها, الا ان الضرورة تحتم قبول الواقعة المماثلة كبينة لاثبات الوقائع محل النزاع استثناء من القاعدة العامه في بعض الحالات التي يمكن حصرها فيما يلي :. 

1/ عندما يكون المراد من اثبات الواقعة المماثلة تقديم بينه عن طريق واسلوب المتهم في ارتكاب الجريمة واثبات أي فعل قد وقع جزء من مخطط اجرامي موضوع مسبقا  .

 قد قضت تطبيقا لذلك المحكمة في قضية ح س ضد محمد عبدالله امام() حيث قبلت المحكمه بينة الوقائع المتشابهة اذا دلت علي ان للمتهم نظاما خاصا للاثبات بالفعل المراد اثباته ولا يشترط لقبولها وجود ادانه بخصوص البينة المتشابهة المراد عليها .

وعليه يمكن قبول بينة الوقائع المتشابهة باعتبار انها تبرهن اتجاها ذهنيا معينا ، لان السلوك البشري عادة  يكون غريزيا ومن الصعب فصل السلوك البشري من العقلية التي توحي به ؛ وبالتالي فان السلوك المنظم اذا ثبت ينفي عنصر المصادفة ويعتبر مؤيدا لافتراض القصد الجنائي ، وفي هذا الاتجاه اعتبرت السوابق في قضايا الجنس- مع الاطفال- تقبل كبينة في القضايا المماثلة اللاحقة()

2/ عندما يكون المراد من اثبات الواقعة المماثلة تقديم بينه لاثبات القصد والتصور الاجرامي في الجرائم التي يتطلب فيها القصد واثبات ان فعله لم يقع صدفة. وانما بتدبير وسؤ نية وذلك عندما يدفع المتهم بان فعله قد وقع صدفة او قضاءً وقدرا.

 وفي القضية الانجليزية R.V.Smith والتي تتخاص وقائعها في ان المتهم جون اسميث تزوج ثلاث مرات . وفي كل مرة كانت زوجتة تموت غرقا في حوض الحمام وكان الزوج يدعي في كل حادثة بانه خرج للسوق ليشتري بعض حاجات المنزل.. وحين يعود يجد زوجتة غارقة في البانيو ، وعندما وقعت الحادثة الثالثة اشتبهت الشرطة في الامر واحيل  الي المحاكمة .. فادعي ان موت زوجاتة الثلاث كان قضاءً وقدرا. فحكمت المحكمة بالاعدام  شنقا استنادا الي بينة الوقائع المماثلة وقرائن الواقع ونفذ الحكم . 

وفي قضية ماكن.. اتهمت امراة وزوجها بقتل طفل وعدا بتبنيه ووجدت جثة الطفل مدفونه في منزل المتهمين في حاله لا تسمح بمعرفة سبب الوفاة ، وكان الدفاع الذي تقدم به المتهمان هو ان الطفل مات قضاءً و قدرا ، فتقدم الاتهام ببينة عن وقائع مماثلة سابقة كان المتهمان فيها قد تبنيا اطفالا فاختفوا بعد ذلك بفترة قصيرة .. ووجدت جثث الاطفال لم يكن التعرف عليها ممكنا بمنزل اخر كان يسكن فية المتهمان .. وقد قبلت هذه البينة بنفي بينة الدفاع بان الموت كان قضاءً وقدرا 

3/ عندما يكون المراد من اثبات الوقائع المماثلة تقديم بينة لاثبات علم المتهم بحالة معينة وذلك في بعض الجرائم التي يتطلب فيها اثبات العلم ( كالحالة الذهنية ) بواقعة اساسية معينة.

 وكثيرا ما يكون دفاع المتهم في مثل تلك الجرائم بانه كان يجهل بعض الوقائع المعينة . ولم يكن له علم بها .. ومن ثم يجوز للاتهام تقديم البينة عن وقائع مماثلة توضح علم المتهم بالواقعة .

4/ عندما يكون من اثبات الوقائع المماثله تدعيم وتاييد بينة اخري ..

 او عندما يكون الغرض منها تقدير العقوبة .. فالواقعة المماثلة التي تؤيد شهادة خاصة بالاتهام،رغم انها لا تتصل مباشرة بالواقعة الاساسية محل النزاع الا انها ذات قيمة في تقدير شهادة الشاهد جعلها اكثر قابلية للتصديق .

وفي السابقة ح س ضد عبوس احمد محمد()    تقرر" انه يراعي في تطبيق المادة 124/ج بالنسبه لقضايا مخالفات الاسعار .. ظروف المخالفه من حيث جنوح المتهم نحو ارتكاب المخالفات".

 وهكذا يتضح ان اثبات الفعل المماثل المقارب في زمنه وطريقة اثباته ولو كان فرديا :

1/ يقبل بنفي دفاع الصدفه 

2/ او الغلط او القصد البريء 

3/ او اثبات اوفر الحالات الذهنيه لدي المتهم وفت ارتكاب الفعل 

4/ تأييد وتعزيز شهادة شاهد .. او تقدير العقوبه

وفي ح س ضد محمد عبدالله امام () قررت سلطة الاستئناف الاتي:

1/ تقبل البينه من الوقائع المتماثلة اذا كان اثبات هذه الوقائع يدل علي ان للمتهم نظاما خاصا للاثبات بالفعل المراد اثباته ولا يشترط لقبولها وجود ادانه بخصوص الوقائع المماثلة المراد القياس عليها

2/ لا تقبل البينه عن الوقائع المماثلة بغرض اثبات هذه الوقائع او استعمالها كبينه لدحض اداعاء المتهم بشرعية افعاله.


المبحث الثالث

البينة المقبولة

النص

8- تكون البينة التى يقبل تقديمها فى أي دعوى هي التى تنتج فى اثبات الوقائع المتعلقة بالدعوى او نفيها والتى لا تكون مردودة بموجب احكام هذا القانون() .

شرح

تتأرجح هذه البينه بين البينه التي تؤخذ اثناء المحاكمة وتلك التي تؤخذ قبلها واخيرا التي تؤخذ بعد المحاكمة ونستعرض ذلك علي التفصيل التالي:.


المطلب الاول

البينه التي تؤخذ اثناء المحاكمة

الفرع الاول

مبادئ يجب ان تراعي

هناك العديد من المبادئ التي يجب ان تراعي في هذه المرحلة ، وهذه المبادئ رغم  ان الاشارة اليها قد وردت قي قانون الاجراءات الجنائية الا انها مكملة للقواعد الاثباتية التي تحقق المحاكمة العادلة ، ولا يمكن اعمال قانون الاثبات علي الوجه الصحيح الا بها وتتلخص اهم هذه المبادئ في الاتي :

المبدأ الاول :  قرينة البراءة

1.مفهوم المبدأ :مقتضى المبدأ أن كل شخص متهم بارتكاب جريمة – أيا كانت جسامتها – تجب معاملته بوصفه شخصا بريئا حتى تتأكد إدانته بحكم قضائي نهائي محض – أي حائز بحجية الشئ المحكوم به بحيث لا يقبل الطعن فيه () . 

والثابت أن الدعوى الجنائية تعرض من ترفع ضده – المتهم – إلي خطرين – الأول هو أن يتم اتهامه خطأ ، ولكنه يستفيد في النهاية بقرار الأ وجه لإقامة الدعوى أو حكم البراءة . كما تشير بذلك المادة 141/1 من القانون الإجرائي الجنائي السوداني لسنة 1991م ، والخطر الثاني أن تتم إدانته والحكم عليه بعقوبة في حين أنه برئ . وبالرغم من أن الخطر الأول أقل بشاعة من الخطر الثاني إلا أنه على قدر كبير من الخطورة لما يمكن أن يستتبعه من إجراءات ماسة بحريته الشخصية – المتهم – أو حتى مقيدة لها كالقبض والتفتيش – للأشخاص والأماكن – والحبس الاحتياطي الأمر الذي لا يستطيع معه الحكم القاضي بالأ وجه لإقامة الدعوى أو البراءة أن يمحو الأضرار التي تحملها بما في ذلك الثقة التي كان يتمتع بها المتهم من قبل والتي سوف تهتز بعد حبسه أو تفتيشه . 

أما فيما يتعلق بالخطر الثاني – إدانته وهو برئ – فإنه وإن كان قليل الوقوع عملا ، إلا أنه ليس نادرا أو مستحيلا . ذلك أن الحياة القضائية التي تم فيها الحكم على أبرياء ، وعلى هذا فإن إمكانية حدوث هذه الأخطاء مسلم به من الناحية التشريعية ، والدليل على ذلك هو وجود القواعد الخاصة بإعادة النظر في الأحكام القضائية الابتدائية في جميع قوانين الإجراءات الجنائية الحديثة  وفي سبيل تلافي هذا الخطر المزدوج – والذي يمكن أن يكون ضحيته أي مواطن فقد تبنت أنظمة الإجراءات الجنائية الحديثة مبدأ مقتضاه أن كل شخص متهم بارتكاب جريمة يجب أن يعتبر ويعامل كشخص برئ حتى يصبح القرار القضائي المعلن لإدانته نهائيا لا رجعة فيه . 

وبهذا الفهم تعتبر قرينة البراءة أساس كل تنظيمات وقواعد الإجراءات الجنائية والذي يقال عادة في تبريره أنه من الأفضل أن يفلت مذنبا من العقاب خيرا من أن يدان برئ . وفي هذا الصدد يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنه للإمام أن يخطئ في العفو خيرا له من أن يخطئ في العقوبة () . 

فالمبدأ الذي يمثل حماية للحرية الشخصية للإنسان ، والتي تعتبر أول حق من حقوقه كإنسان بعد حقه في الحياة ، فهو ضمانة أساسية للحرية الفردية ضد تعسف سلطات الدولة المختلفة في ممارستها لحق المجتمع في العقاب . وعليه فإذا  كان القسم الموضوعي من القانون الجنائي – أي القسم الخاص بتحريم الأفعال وتحديد عقوباتها – هو قانون المذنبين أو المجرمين ، فإن القسم الإجرائي منه – أي الإجراءات الجنائية – فهو قانون الناس الشرفاء . فالمتهم يحضر أمام مختلف الهيئات القضائية الجنائية . دون أن يكلف بإثبات شئ ، فهو ليس مكلفا بإثبات براءته لأن هذه الأخيرة مفترضة فيه . وعلى هذا فإن تقررت ضرورة القبض عليه ، فإن الحبس الاحتياطي يعد إجراءا استثنائيا بقدر ضرورته للتحفظ على شخصية المتهم من جانب وتجريم كل تعسف في تنفيذ وتطبيق قواعد الإجراءات الجنائية من جانب آخر 

2.الطبيعة القانونية لفرضية البراءة : 

ذهب بعض علماء الفقه إلي اعتبار أن هذه القاعدة تمثل قرينة قانونية بسيطة – أي تقبل إثبات عكسها – والقرينة هي استنباط واقعة مجهولة من خلال واقعة معلومة فالمتفق عليه أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يتقرر العكس بحكم قضائي وبناء على نص قانوني . 

إلا أن بعض أحكام المحاكم انتهت إلي أن افتراض البراءة لا يتمخض عن قرينة قانونية ولا هو من صورها . على أساس أن القرينة القانونية تقوم على تحويل للإثبات من محله الأصلي – الواقعة المعلومة – أي واقعة أخرى قريبة منها متصلة بها وهذه الواقعة البديلة هي التي تعتبر إثباتها إثباتا للواقعة الأولى بحكم القانون وليس الأمر كذلك بالنسبة للبراءة التي افترضها القانون والدستور فليس ثمة واقعة أصلها الدستور محل واقعة أخرى وأقامها بديلا عنها ، إنما يؤسس افتراض البراءة علة الفطرة التي يميل الإنسان عليها فقد ولد حرا مبرأ من الخطيئة والمعصية ، ويفترض على امتداد مراحل حياته أن أصل البراءة لا زال كامنا فيه مصاحبا له فيما يأتيه من أفعال إلي أن تقضي محكمة الموضوع بقضاء جازم هذا الافتراض على ضوء البينات التي يقدمها الاتهام مثبتة للجريمة التي نسبتها إليه في كل ركن من أركانها وبالنسبة إلي كل واقعة ضرورية لقيامها () 

ويظل هذا الأصل قائما رغم الأدلة المتوفرة والمقدمة حتى يصدر حكم قضائي بات يفيد إدانة المتهم ، وبهذا الحكم ينقضي أصل البراءة وتتوافر بالتالي قرينة قاطعة تصلح أساسا لإهدار الأصل في المتهم 

فإدانة المتهم إذا تتوقف على انتهاء الإباحة وعدم توافر موانع المسئولية ، () ، ومع ذلك فقد لوحظ أنه إذا أريد احترام أصل البراءة احتراما حرفيا فسوف يضحى اتخاذ الإجراءات الجنائية أمرا مستحيلا () ولهذا فإن المضمون الواقعي العملي لهذا الأصل يتوقف على ضمانات الحقوق والحريات التي تحيط بتطبيق هذه القرينة . 

فأصل البراءة يعني أن المتهم يجب أن يعامل كالأبرياء ، ومن ثم فإن الأصل هو تمتعه بجميع الحقوق والحريات التي كفلها الدستور ونظمها القانون . 

إلا أنه ولما كانت نصوص الدستور متكاملة مترابطة وكان الدستور كما كفل الحرية الشخصية معظم حقوق الإنسان كفل أيضا التجريم والعقاب () وكفل المحاكمة عن الجرائم حين نص على أنه لا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي (12) فإن الشرعية الدستورية في الإجراءات الجنائية تتطلب الموازنة بين احترام الحقوق والحريات الأساسية وكفالة الإجراءات التي تتخذ تجاه المتهم . 

فالقانون ينظم الحرية الشخصية للمتهم داخل الخصومة الجنائية في ضوء أهداف الخصوم الجنائية ويجب ألا يتجاوز هذا التنظيم القانوني القائم على أصل البراءة والذي يتمثل في تقييد الإجراءات التي يسمح بها القانون بضمانات معينة تكفل حماية الحرية الشخصية للمتهم وحقوقه المتعلقة بها () . 

فالقانون يعد من أهم وأخطر مصادر المشروعية بحكم أنه المصدر المنظم لإجراءات تحصيل الأدلة منذ إلقاء القبض على المتهم مرورا بتفتيشه وتسجيل أقواله وضبط كل متعلقات الجريمة ، وتحديد ضوابط وقيود ذلك ، لذلك حرصت القوانين الإجرائية في السودان 1974 و1983م و1991م على النص على ضرورة وجوب قبول البينة في الإجراءات القضائية طبقا لنصوص القانون ، وبما يتفق مع المنطق والعدالة ودون أي معاملة غير كريمة للمتهم أو الشهود كما حظر القانون تعريض أي شخص لأي معاملة أو عقاب وحشي وغير إنساني () . 

3.أساس قرينة البراءة : 

أ. الأساس الشرعي لقرينة البراءة : 

إن حقوق الإنسان في الفقه الإسلامي عبارة عن فروض وواجبات شرعية فرضها الله تعالي . وبالتالي فليس لبشر أيا كان أن يعطلها أو يعتدي عليها ، ولها حصانة ذاتية لا تسقط بإرادة الفرد تنازلا عنها ، ولا بإرادة المجتمع ممثلا فيما يقيمه من مؤسسات أيا كانت طبيعتها أو سلطتها () . 

فهي ليست منحة من حاكم وهي بهذا الوضع حقوق أبدية لا تقبل حذفا ولا تعديلا ولا نسخا ولا تعطيلا ، باعتبار أنها ضرورات فطرية للإنسان من حيث هو إنسان ، والإسلام دين الفطرة ، فمن الطبيعي أن يكون الكافل لتحقيقها . فقد بلغ الإسلام في الإيمان بالإنسان وفي تقديس حقوقه إلي الحد الذي تجاوز بها مرتبة الحقوق عندما اعتبرها ضرورات ، ومن ثم أدخلها في إطار الواجبات وبالتالي فالحفاظ عليها ليس مجرد حق للإنسان بل واجب عليه يأثم بالتفريط فيه () .    

ففي الحديث الشريف ( … والله لحرمة المؤمن أعظم عند الله من حرمة بيته المحرم ) متفق عليه ، وفي حجة الوداع قال عليه أفضل الصلاة والسلام ( أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم () . 

وفي هذا الإطار جاءت قاعدة البراءة الأصلية والتي تقرر أن الأصل في الإنسان براءة ذمته وعلى القاضي إعمالها فيما يطرح عليه من خصومات ودعاوى ، وذلك لقوله ( البينة على من يدعي ) ولزوم اشتراط اليقين في الإثبات الجنائي مستمد من القاعدة الفقهية اليقين لا يزول بالشك ، فمن أدلة الفقه أن لا يرفع شك بيقين . ومما ينبني على هذه القاعدة أن المدعى عليه في باب الدعاوى لا يطالب بحجة على براءة ذمته بل القول في الإنكار بيمينه () . وفي الحديث الشريف ادرءوا الحدود بالشبهات ما استطعتم ولأن يخطئ الإمام في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة () .  ويقول الماوردي " إن للجرائم  عند التهمة حال إستبراء تقتضيه السياسة الدينية لها وعند ثبوتها وصحتها حال استيفاء توجيه الأحكام الشرعية () . 

فإذا صادق القاضي على التهمة وأكدها بالبينات الشرعية فإن حالة المتهم تنقلب إلي مجرم ، وتكون العدالة قد أخذت مجراها ولا يستطيع أحد أن يدعي ظلما أو قهرا أو اعتداء وقع عليه لأنه قد استوفى حقه الشرعي في الاعتراض على الحكم . لذلك فهي انبت علي القاعدة الكلية" 

اليقين لا يزول بالشك"

اولا : معنى القاعدة : 

اليقين في الاصطلاح الأصولي هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع الثابت وجودا () حيث أن البراءة متيقنة وأن الاتهام هو الشك وهو الأمر العارض غير المستقر  حيث هو في مقام الظن وغلبته والشك في المصطلح الفقهي هو اعتدال النقضين عند الإنسان وتساويهما () . فهو إذا  تردد الذهن بين أمرين على حد سواء بحيث لا يميل القلب إلي أحدهما . وعليه يكون القاضي بصدد أمرين أحدهما متأكد من وجوده بحكم الفطرة والجبلة الإنسانية – البراءة – والأمر الآخر متردد فيه وتتساوى فروض وجوده بفروض عدمه – الاتهام بالجرم – لذا فإن الأمر المتيقن ثبوته لا يرتفع إلا بدليل قاطع ولا يحكم بزواله لمجرد الشك لأن الشك اضعف من اليقين فلا يعارضه ثبوتا وعدما () 

ثانيا : أهمية القاعدة : 

تعد قاعدة اليقين لا يزول بالشك من أصول الشريعة الإسلامية وتكاد المسائل المتفرعة عنها تبلغ ثلاثة أضعاف الفقه ، وفي هذا يقول النووي " وهذه قاعدة مطردة لا يخرج عنها إلا مسائل يسيرة لأدلة خاصة في تحقيقها وبعضها إذا حقق كان داخلا فيها " كما يتمثل فيها اليسر والرأفة ، إذا خرج من تقرير اليقين باعتباره أصلا معتبرا ، وإزالة الشك الذي كثيرا ما ينشأ عن الوسواس ولذا يتجلى فيها الرفق والتخفيف على العباد . 

فروع القاعدة : للقاعدة فروع عديدة  أبرزها القواعد الاتيه ():

ثالثا : قاعدة " لا ينسب لساكت قول "

وهي تقابل في الفقه الوضعي الحق في الصمت كما سيرد لاحقا , ولكن السكوت في معرض الحاجة إلي بيان بيان  فإذا وجهت التهمة لشخص وسكت عنها فإن سكوته هذا لا تنبني عليه الأحكام التي تنبني على النطق ، بالرغم من أن السكوت في المواضع التي تمس الحاجة فيها إلي البيان بيان إلا إذا صاحبته قرينة لأن الساكت مع القرينة كالناطق حيث أن القرينة دليل مناهضة مبدأ البراءة . 

رابعا : لا عبرة بالتوهم 

وتقابل في الفقه الوضعي الشك فيما وراء الشك المعقول , وتعني القاعدة أنه لا اعتداد ولا اعتبار بالتوهم – وهو الاحتمال البعيد الحصول – في إثبات الأحكام الشرعية ، لأننا إذا لم نبني الأحكام الشرعية على الشك ، فعدم بنائها على الوهم من باب أولى لأن الوهم أدنى درجة من الشك  

خامسا : لا حجة في الاحتمال الناشئ من غير دليل : 

وتقابل في الفقه الوضعي حصر وسائل الإثبات ,ومفهوم القاعدة أن الاحتمال الناشئ من غير برهان مشكوك فيه ، فلا يرفع عدم الاحتمال الذي هو اليقين ، لأن اليقين لا يزول إلا بيقين مثله في درجته أو في درجة أقوى منه . 

4.الأساس القانوني لأصل البراءة : 

تعد قرينة البراءة من الأحكام الأساسية لمبدأ الشرعية وتأتي من بعد شرعية الجرائم والعقوبات وذلك أن تطبيق قاعدة لا جريمة ولا عقاب إلا بنص قانوني – يفترض حتما قاعدة اخرى هي قاعدة البراءة في المتهم حتى يثبت جرمه وفقا للقانون . 

وحقيقة الأمر أن حماية الحقوق والحريات التي كفلها الدستور () لكل مواطن تفترض براءته إلي أن تثبت إدانته في محاكمة منصفة وإذا كانت شرعية الجرائم والعقوبات ، فإنها استنتاج من إباحة الأشياء ، فيجب النظر إلي الإنسان بوصفه بريئا . ولا تنتفي هذه البراءة إلا عندما يخرج الإنسان من دائرة البراءة إلي دائرة التجريم وهو ما لا يمكن تقريره إلا بمقتضى حكم قضائي وفقا للدستور () 

فهذا الحكم هو الذي يقرر إدانة المتهم فيكتشف ارتكابه الجريمة ، وبمعنى آخر الاعتماد على الحكم القضائي وحده يدحض أصل البراءة حيث أن القضاء هو الحارس الطبيعي للحرية فيملك بناء على هذا الأصل تحديد المركز القانوني للمحكوم عليه بالنسبة إلي الحقوق والحريات فيكون الانتقاص من هذه الحقوق والحريات هو الجزاء الجنائي المترتب على إدانته بالجريمة التي ارتكبها. ولهذا لا بد من القول أن أصل البراءة هو أحد الدعائم الأساسية التي لا تقوم المحاكمة المنصفة بدونها ويعتبر حكما لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة . 

وعليه فإنه إن كانت المصلحة العامة في إدانة المجرمين ومعاقبتهم ، فإن هذه المصلحة تتعارض أيضا مع الاعتداء على حريات الأبرياء والدفاع عن هذه الحريات في مجال إثبات الإدانة على وجه قطعي لا يعتبر قيدا على المصلحة العامة ، لأن المصلحة المحمية هنا هي الحرية الشخصية وهي مصلحة تهم المجتمع بأسره ولا تقل أهمية عن المصلحة العامة في معاقبة المجرمين وبالتالي لا بد من تحقيق موازنة بين الاعتبارين بحيث لا يفلت مجرم من العقاب ولا أن يدان برئ في آن واحد .

5. التطور التاريخي للمبدأ : 

اولا : في القانون الوضعي : 

كانت المجتمعات البدائية قبل ظهور الدولة في مفهومها السياسي المتواضع عليه حاليا ، تخضع لتأثيرات العقائد الدينية غير السماوية () وهي بالتالي لم تكن تعرف المبدأ مبررة ذلك بأن المجرم ما هو إلا إنسان مسكون بالشياطين وبالتالي لا بد من تطهيره منها من خلال التعذيب والإيلام بقصد انتزاع الاعتراف منه . 

وفي فترة لاحقة عرف المبدأ بصورته الراهنة ، على أن قوانين الإجراءات الجنائية الوضعية لم تتبع في تطورها خطا واضحا مستمرا . فقد تأثر موقفها إلي حد كبير بطبيعة النظام الإجرائي الذي تعتنقه ما بين النظام ألاتهامي والنظام الآخذ بقرينة البراءة . وهو ما يتوقف على نظامها القانوني للحريات العامة . 

ففي القرن السابع عشر ظهر هذا المبدأ في كتابات فلاسفة تلك الفترة وبصفة خاصة أفكار مونتسكيو وبيكاريا . 

ففي كتابه المشهور روح القوانين استطاع مونتسكيو أن يسجل الملاحظة التالية " إنه عندما تكون براءة المواطنين غير مكفولة فإن حرياتهم أيضا تكون غير مكفولة " . أما بالنسبة لبيكار يا فقد ذكر في كتابه الجرائم والعقوبات والذي تضمن أفكارا بناءة وهامة والتي وجدت تأييدا من بعض الفلاسفة الفرنسيين مثل فولتير ، فقد اقترح " على كل مجتمع متمدين أن يقيم قرينة قانونية للبراءة في صالح كل متهم أيا كانت الأدلة المقدمة ضده ، كما يرى أن هذه القرينة يجب أن يستفيد منها المتهم طيلة كل إجراءات التحقيق والمحاكمة ، بل وحتى صيرورة الحكم الصادر بالإدانة نهائيا مبررا ذلك بقوله بأن كل إنسان لا يمكن اعتباره مذنبا قبل حكم القاضي ، والمجتمع لا يستطيع أن يخلع عنه الحماية العامة إلا بعد أن يتم إثبات مخالفته للشروط التي أعطت له هذه الحماية () . 

وانتقد بيكاريا بشدة استعمال التعذيب عند التحقيق مع المتهم قائلا أن من نتائجة الشاذة أن يكون المجرم في وضع أحسن حالا من البريء لأن الثاني قد يعترف بالجريمة تحت وطأة التعذيب فتقرر إدانته ، أما الأول فإنه قد يختار بين ألم التعذيب وألم العقوبة التي يستحقها فيختار الألم الأول لأنه أخف لديه من ألم العقاب فيصمم على الإنكار وينجو من العقوبة () . 

ثانيا : في الشريعة الإسلامية : 

ظهر هذا المبدأ مع ظهور البعثة النبوية في القرن السادس الميلادي حيث قال صلى الله عليه وسلم " البينة على المدعي …() . من هنا يتضح أن الشرعية الإسلامية قد تقدمت على الفقه الوضعي في هذا الصدد بما يقارب العشرة قرون وهذا يكفي . 

 ثالثا:  الدساتير السودانية : 

صاغت الدساتير السودانية على تعددها هذا المبدأ ومنها دستور 1973 الملغي في المادة (69) منه على " أي شخص يلقى القبض عليه متهما في جريمة ما يجب أن لا تفترض إدانته ولا يجب أن يطلب منه الدليل على براءة نفسه بل المتهم برئ حتى تثبت إدانته دونما شك معقول .

وفي نفس المنحى سار دستور السودان لسنة 1986 ودستور 1998 حيث أورد في المادة (33) بعنوان حق البراءة والدفاع على أن " لا يجرم أحد ولا يعاقب على فعل إلا وفق قانون سابق يجرم الفعل ويعاقب عليه . والمتهم برئ حتى تثبت إدانته قضاء وله الحق في محاكمة عادلة وناجزه وفي الدفاع عن نفسه واختيار من يمثله . 

وقد مثل دستور السودان الانتقالي لسنة2005 نقلة حقيقية في هذا الصدد من خلال العديد من النصوص التي حاول أن يكرس من خلالها مبادئ وأسس المحاكمة العادلة سيما النصوص المحددة لالتزام الدولة بالمواثيق الدولية في الباب الثاني منه فيما عرف بوثيقة الحقوق ()والتي تعتبر كل الحقوق والحريات المضمنة في الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والمصادق عليها من قبل جمهورية السودان جزءً لا يتجزأ من الدستور.كما أوجب أن تنظم التشريعات(المقصود هنا قانون الإجراءات الجنائية) الحقوق والحريات المضمنة في هذه الوثيقة ولا تصادرها أو تنتقص منها.كما نص علي أن لكل إنسان حق أصيل في الحياة والكرامة والسلامة الشخصية, ويحمي القانون هذا الحق، ولا يجوز حرمان أي إنسان من الحياة تعسفاً. و لكل شخص الحق في الحرية والأمان، ولا يجوز إخضاع أحد للقبض أو الحبس، ولا يجوز حرمانه من حريته أو تقييدها إلا لأسباب ووفقاً لإجراءات يحددها القانون. لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب أو معاملته على نحوٍ قاسٍ أو لا إنساني أو مُهين.

وان الناس سواسية أمام القانون, ولهم الحق في التمتع بحماية القانون دون تمييز بينهم بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو الُلغة أو العقيدة الدينية أو الرأي السياسي أو الأصل العرقي.

وقد حدد الدستور أسس المحاكمة العادلة والتي تمثلت بالقواعد آلاتية:

   -  المتهم برئ حتى تثبت إدانته وفقاً للقانون.

     - يُخطر أي شخص عند القبض عليه بأسباب القبض ويُبلغ دون تأخير بالتهمة الموجهة ضده.

    -يكون لأي شخص, تُتخذ ضده إجراءات مدنية أو جنائية, الحق في سماع عادل وعلني أمام محكمة عادية مختصة    

        وفقاً للإجراءات التي يحددها القانون. 

   -لا يجوز توجيه الاتهام ضد أي شخص بسبب فعل أو امتناع عن فعل ما لم يشكل ذلك الفعل أو الامتناع جريمة  

          عند وقوعه.

 - يكون لكل شخص الحق في أن يُحاكم حضورياً بدون إبطاء غير مبرر في أي تُهمة جنائية, وينظم القانون المحاكمة  

         الغيابية.

-يكون للمتهم الحق في الدفاع عن نفسه شخصياً أو بوساطة محامٍ يختاره، وله الحق في أن توفر له الدولة المساعدة القانونية عندما يكون غير قادرٍ على الدفاع عن نفسه في الجرائم بالغة الخطورة.

-يكفل للكافة الحق في التقاضي، ولا يجوز منع أحد من حقه في اللجوء إلي العدالة.

-لا يجوز توقيع عقوبة الإعدام إلا قصاصاً أو حداً أو جزاءً على الجرائم بالغة الخطورة، بموجب القانون.

-لا يجوز توقيع عقوبة الإعدام على من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، أو من بلـغ السبعين من عمـره في غير القصاص والحدود.

-لا يجوز تنفيذ عقوبة الإعدام على الحوامل والمرضعات إلا بعد عامين من الرضاعة. وتشكل النصوص الواردة أعلاه ضمانة قوية لحماية حقوق الإنسان وضمان المحاكمة العادلة وهي مستقاه من المواثيق الدولية حتى تلك التي لم يصادق عليها السودان مثل اتفاقية مناهضة التعذيب لسنة1984 وغيرها من الصكوك الدولية ، وعليه ومن المنتظر ان يعدل قانون الإجراءات الجنائية بما يتلاءم وبعض هذه الضمانات القوية الواردة بالدستور الانتقالي .

6.  موقف قانون الإجراءات  الجنائية لسنة1991 السوداني من المبدأ 

إذا كان مبدأ البراءة الأصلية يمثل أحد المبادئ العامة التي يجب أن تسيطر وتهيمن على التشريعات الخاصة بالإجراءات الجنائية فيكفي أن تكون هذه المبادئ منصوصا عليها صراحة في القانون . وفي هذا الصدد فقد نص القانون علي ان  المتهم برئ حتى تثبت إدانته وله الحق في أن يكون التحري معه ومحاكمته بوجه عادل وناجز . أما الفقرة (د) من نفس المادة وفي ذات القانون على حظر الاعتداء على نفس المتهم وحاله ولا يجبر على تقديم دليل ضد نفسه ولا توجه إلي اليمين إلا في الجرائم غير الحدية التي يتعلق بها حق خاص() . 

ونصت الفقرة (د) من المادة على مراعاة الرفق واليسر في إجراءات التحري والاستدعاء ولا يلجأ لممارسة سلطات الضبط إلا إذا كانت لازمة وضرورية . وعلى ذلك فإن القانون قد تضمن بعض الأحكام الموضوعية والشكلية التي لا يمكن تفسيرها إلا بالتسليم المسبق بالمبدأ بالمشرع . فبالنسبة للشكل فإن قانون الإجراءات الجنائية يبرز بعض الاحتياطات في اختيار الألفاظ أو المصطلحات التي تعكس بصورة واضحة التبني الضمني من جانب المشرع للمبدأ الذي يتطلب أن كل من اتهم بارتكاب جريمة جنائية أو ساهم في ارتكابها يجب أن ينظر إليه ويعامل كإنسان برئ طالما أن إدانته لم تثبت بعد بحكم قضائي نهائي .أما بالنسبة للأحكام الموضوعية فهي أكثر دلالة على التكريس والتبني الصريح للمبدأ وتتمثل هذه الأحكام في النص صراحة على غالبية نتائج المبدأ كما سلف القول . 

وقد تناول قانون الإثبات بعض القواعد الأصولية المرتبطة بالإثبات في نص المادة (5) من قانون الإثبات لسنة 1993م وهي .. تستصحب المحكمة عند نظر الدعاوى القواعد الأصولية الآتية نأخذ منها أ/ الأصل في المعاملات براءة الذمة والبينة على من يدعي خلاف ذلك 

ب/ الأصل براءة المتهم حتى تثبت إدانته دون شك معقول . 

ج/ …………………………

7.مظاهر المبدأ : 

يتمثل مبدأ البراءة في عدة مظاهر تمثل الإطار العام الذي يصونه ويؤكده وأبرز هذه المظاهر حقوقة ابان القبض عليه وحبسه وحقوقة في مرحلة التحري معه وحقوقة في مرحلة المحاكمة ، وهذا ما سنتعرض له بالتفصيل المناسب .

أ.حصر وسائل الإثبات : 

من ضمن مظاهر قرينة البراءة أن المشرع قد حدد وسائل الإثبات تحديدا على سبيل الحصر بحيث لا يحق لأي كان أن يستعين بأي وسيلة إثبات  طالما أنها غير منصوص عليها في قانون الإثبات وبالتالي لا يحق للخصم أن يصطنع لنفسه دليلا ضد خصمه وإلا تعرض كثيرا من الناس إلي الادعاءات الباطلة طالما أنها تقوم على أدلة اصطنعوها بأنفسهم . وفي الحديث الشريف " لو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء رجال وأموالهم … " لذا وخروجا من ذلك فقد حدد القانون أدلة الإثبات مما يتحتم على الخصوم وخاصة الاتهام عدم اللجؤ إلي خلافها مهما كان الأمر . 

وعليه فإن المحكمة لا تأخذ بالأدلة الإثباتية غير المنصوص عليها قانونا وتطبيقا لذلك فقد قضت المحكمة في قضية حكومة السودان ضد بدر الدين عباس أبو نورة ()  على أنه لما كان قانون الإثبات لسنة 1983م قد ورد على سبيل الحصر طرق الإثبات الجائزة قانونا في نص المادة 18 منه وجاء خلوا من النص على القسامة كطريق من طرق الإثبات في المسائل الجنائية في القانون السوداني إذ لا اجتهاد في مورد النص . 

قانون الإثبات لسنة 1993م جاء خاليا من نص مقابل لنص المادة 18 من قانون الإثبات لسنة 1983م ولكن ولما كان القانون قد تناول طرق الإثبات وهي الإقرار والمستندات والشهادة والقرائن والأدلة المادية وخلافها فإنه يكون قد حصر وسائل الإثبات بما هو وارد فيه من نصوص مما يعد حفاظا على مبدأ الشرعية . 

ب. كفالة الحق في الدفاع : 

المتهم في القضايا الجنائية لايمكن ان يدان الا بناء علي ادله تعرض للمناقشة شفهيا في الجلسة وتعطي الفرصه للمتهم لدحضها واظهار براءتة بعدها .

 وعلي ذلك يجب قراءة اقوال المتهم المدونه في ال csse diary  او يومية التحري واحضار الشرطي الذي دونها لشهاده بها، كما يجب قراءة  اقوال المتهم في التحقيق القضائي وبيان مدي دلالتها علي ادانتة مؤدية بالاثار المادية او شهادة الشهود ويناقش كل ذلك ويقدم ما قد يكون لدية من بينه داحضة .

وفي قضية ح س ضد ترك ولداي مارودي واخر تقرر ان القاعدة الاصولية هي ان التحقيق الشفهي الذي تجرية المحكمة بنفسها هو الذي تعتمد عليها في الاساس في وزن الادله وترجيحها.  

فمفهوم هذا الحق يعني أن من حق المتهم تقديم ما لديه من أدلة لنفي الواقعة التي يدعيها خصمه ، مع مراعاة الشروط التي يفرضها القانون لذلك . وهذا الحق من الأمور الثابتة بداهة ، إذ كيف تقرر الإدانة على المتهم إذا لم يمنع الحق في نفيها . ففاعلية الإدانة تستند على وجود أدلة وبينات تؤكد الإدانة وتنفي براءة المتهم مع فشله في مناهضتها  وبمقتضى هذا الحق يكون للمتهم الحقوق الآتية : 

أ/ مناقشة الدليل المقدم من خصمه وتفنيده . 

ب/ على القاضي أن لا يأخذ بدليل دون أن يعرضه على من يحتج به عليه وأن يمكنه من أخذ رأيه عليه . 

ج/ السماح له بتقديم الأدلة التي تعزز براءته وتعضدها 

د/ يعفى من عبء إثبات براءته 

كما أوردت أحكام القضاء العديد من الحصانات التي تهدف إلي كفالة حق المتهم في الحصول على محاكمة عادلة أبرزها توافر تهمة مبدئية () 

وفقا لذلك لا تعتبر أي قضية صالحة للمحاكمة إلا إذا هناك تهمة مبدئية ضد المتهم ، ولكن التهمة المبدئية في ذات الوقت لا تعني إثبات كل أركان الجريمة إذ أن هناك بعض الأركان التي يمكن إثباتها بالبينة الظرفية التي قد تشمل فشل المتهم في تقديم تفسير معقول لتصرفاته . 

كما تجب معاملة المقبوض ع

Legal writings
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع كتابات قانونية legal writings .

جديد قسم :

إرسال تعليق