حماية القانون للمغفلين
لقد زاع صيت المقولة المشهورة " القانون لا يحمي المغفلين" و لقيت من الانتشار ما لقيت، و اضحت في تداول مضطرد بين أفراد المجتمع بمختلف تخصصاتهم و شرائحهم و فئاتهم ولقد رسخ مضمون هذه العبارة ( أن لا حماية للمغفلين بموجب القانون) في اذهان اعداد مهولة من البشر و لم يسلم من هذا الإعتقاد حتى القانونيين أنفسهم.
لقد زاع صيت المقولة المشهورة " القانون لا يحمي المغفلين" و لقيت من الانتشار ما لقيت، و اضحت في تداول مضطرد بين أفراد المجتمع بمختلف تخصصاتهم و شرائحهم و فئاتهم ولقد رسخ مضمون هذه العبارة ( أن لا حماية للمغفلين بموجب القانون) في اذهان اعداد مهولة من البشر و لم يسلم من هذا الإعتقاد حتى القانونيين أنفسهم.
و يقال ان أول من تفوه بهذه المقولة قاض عندما احتكم اليه نفر من الشعب ضد شخص نشر خبرا مفاده بأن طلب منهم ان يدفعوا له دولارا واحدا ليخبرهم كيف يصبح المرء غنيا و بعد أن جمع مبلغا ضخما من عدد مهول من الشعب و بالفعل أصبح غنيا، و عند مقاضاته أصدر القاضي الحكم لصالحه استنادا على تلك المقولة ( القانون لا يحمي المغفلين).
فهل حقا أن القانون لا يحمي هذه الفئة من الناس (المغفلين) ؟
للجواب علي هذا السؤال يتحتم علينا الرجوع الي أمرين الأول القانون و الاخر المغفلين .
اولا : القانون :
كما هو معلوم أن القانون هو مجموعة من القواعد التي تنظم حياة الناس و ترتب الجزاء على من يخالف أحكام هذه القواعد ، و أن الهدف الاساسي من تشريع القوانين هو تنظيم حياة المجتمع و توفير الحماية لأفراده و جماعاته من أن يظلم أحد منهم الاخر او تبغي جماعة منهم على جماعة اخرى .
و أن القاعدة القانونية عندمآ تسن يجب أن تكون عامة مجردة ليست خاصة بشخص معين او واقعة محددة ، و من هذا المنطلق نجد ان القانون يحمي جميع الناس بمختلف تنوعاتهم و مكوناتهم و لم يستثني فئة من أن يطبق عليها، اي لم يستنى القانون المغفلين من تطبيق قواعده.
و بالاطلاع علي التشريعات السودانية نجد أن هنالك مواد عديدة وردت في قوانين شتى تنظم الأحكام التي تتعلق بهذه الفئة ( المغفلين ) و منها ما اورده المشرع السوداني في قانون الاحوال الشخصية لسنة ١٩٩١ م بالنص على أن الشخص يكون رشيداً اذا أكمل سن الرشد ما لم يحجر عليه لعـارض مـن عوارض الأهلية، واعتبر المشرع السوداني الغفلة إحدى عوارض الأهلية.
ثانيا : المغفلين :
من هو المغفل ؟
لقد عرف المشرع السوداني في هذا القانون ذا الغفلة (المغفل) بأنه : " من يغبن في معاملاته المالية ، لسهولة خدعه ".
و لقد نظم المشرع السوداني في كل من قانون المعاملات المدنية لسنة 1984 م و قانون الاحوال الشخصية 1991 التصرفات المالية لذى الغفلة ، فقبل الحجر عليه ، اعتبر تصرفاته صحيحة ما لم تكن نتيجة إستغلال او تواطؤ، و ما ان حجر على ذي الغفلة فتطبق على تصرفاته الأحكام المتعلقة بتصرفات الصغير المميز و هي على النحو التالي :
أ-صحيحة ، متى كانت نافعة له نفعاً محضاً ،
ب-باطلة متى كانت ضارة به ضرراً محضاً ،
ت- التصرفات الدائرة بين النفع والضرر قابلة للإبطال ، لمصحلة الصغير ، ويزول حق التمسك بالإبطال ، إذا أجاز الصغير التصرف ، بعد بلوغه سن الرشد ، أو إذا صدرت الإجازة من وليه ، أو من القاضى ، وفقاً للقانون .
و في المسائل الجنائية فإن المشرع السوداني في القانون الجنائي لسنة 1991 م قد اعتبر الخداع و الاحتيال لتحقيق كسب غير مشروع جريمة و رتب علي ذلك عقوبة حيث نص في المادة ١٧٨ على الاتي :
178- (1) يعد مرتكباً جريمة الاحتيال من يتوصل بسوء قصد إلى خداع شخص بأي وجه ويحقق بذلك كسباً غير مشروع لنفسه أو لغيره أو يسبب بذلك للشخص أو لغيره ضرراً أو خسارة غير مشروعة .
(2) من يرتكب جريمة الاحتيال يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز ثلاث سنوات أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً .
(3) من يرتكب للمرة الثالثة جريمة الاحتيال يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز خمس سنوات كما تجوز معاقبته بالغرامة.
من خلال هذا السرد يتضح لنا جليل أن القانون اصبغ حماية خاصة و مشددة لصالح المغفلين ( ذوو الغفلة) و ذلك بأن اعتبر الغفلة من عوارض الأهلية التي اما أن تعدم الأهلية او تنقصها، و يكون المغفل في حكم عديم الأهلية اذا تصرف في ماله قبل الحجر عليه وكان ذلك نتيجة لاستغلال او تواطؤ و يحكم على تصرفاته في هذه الحالة بالبطلان ، و يعتبر المغفل في حكم ناقص الأهلية ( الصغير المميز) اذاتصرف في ماله بعد الحجر عليه و تكون التصرفات قابلة للابطال لصالحه ( المغفل).
و في دائرة الجنايات نجد أن القانون قد جرم الخداع للتوصل لمال الغير و ان كان القانون قد منع خداع من هم في كامل قواهم العقلية فمنع خداع من يسهل خداعهم أولى َو لأن الجريمة في حقهم اشنع .
و كل هذه الأحكام القانونية التي تصب في مصلحة المغفلين دليل دامغ على أن القانون وفر حماية كافية للمغفلين من أن يستغل غفلتهم أحد و يفلت من الجزاء الذي ترتب على ذلك سواء كان الجزاء مدنيا ( ابطال التصرف) او جنائيا ( عقوبة بدنية او مالية او غير ذلك).
و بناءعلى مما سبق نتوصل الي الإجابة على السؤال المطروح أعلاه و تكون اجابتنا بأنه ليس صحيحا أن القانون لا يحمي المغفلين و الصواب أن القانون يحمي المغفلين و غير المغفلين .
و في دائرة الجنايات نجد أن القانون قد جرم الخداع للتوصل لمال الغير و ان كان القانون قد منع خداع من هم في كامل قواهم العقلية فمنع خداع من يسهل خداعهم أولى َو لأن الجريمة في حقهم اشنع .
و كل هذه الأحكام القانونية التي تصب في مصلحة المغفلين دليل دامغ على أن القانون وفر حماية كافية للمغفلين من أن يستغل غفلتهم أحد و يفلت من الجزاء الذي ترتب على ذلك سواء كان الجزاء مدنيا ( ابطال التصرف) او جنائيا ( عقوبة بدنية او مالية او غير ذلك).
و بناءعلى مما سبق نتوصل الي الإجابة على السؤال المطروح أعلاه و تكون اجابتنا بأنه ليس صحيحا أن القانون لا يحمي المغفلين و الصواب أن القانون يحمي المغفلين و غير المغفلين .
ما هو المبدأ القانوني الصواب الأقرب لهذه المقولة؟
المبدأ القانوني السائد و النافذ و الذي يعتبر أقرب لتلك المقولة هو (الجهل بالقانون ليس بعذر) و يعني هذا المبدأ أنه بمجرد نشر القانون في الجريدة الرسمية ( الغازيتا ) فيفترض علم الكافة به و لا يقبل العذر بعدم الاطلاع على القانون او العلم به .
و كما أن لكل قاعدة استثناء فهناك من يرى أنه يجوز العذر بالجهل بالقانون ان كان ذلك يرجع لظروف قاهرة لم تمكن من الاطلاع على القانون.
و هذا المبدأ في الغالب لا يرد بهذه الصيغة في القوانين و إنما يرد بصيغة أن القانون يسري من بعد فترة كذا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
ختاما إن الغفلة ليست جريمة او فعل ممنوع كما أن الإنسان ليس باختياره ان يكون مغفل او سويا و هذا مما ليس للبشر فيه يد فلو كان له الخيار لما اختار ان يكون مغفلا، و أن القانون وجد لتنظيم حياة المجتمع و حفظ حقوقهم و ان المغفل جزءا من المجتمع و يحتاج لتلك الحماية التي يقررها القانون بل هو أولى بتلك الحماية من غيره بسبب علته (الغفلة) فلابد من توفير الحماية له.



تعليقات: 0
إرسال تعليق