تكييف المسؤولية المدنية لنقل الأشخاص
بقلم المستشار : الحاج حسب الله
إن الانسان في حياته يحتاج للحركة و التنقل ؛ كما أنه أيضا يحتاج لنقل أشياءه كالبضاعه من مكان لاخر ، و لما كان الانسان محدود الطاقة بحيث يصعب عليه قطع مسافات طويلة سيرا علي قدميه و لا يطيق حمل الاوزان الثقيلة و نقلها الي حيث يريد فكانت الحاجة الي وسائل النقل التي بامكانها نقل أعداد كبيرة من البشر و توصيلهم الي وجهتهم في وقت قصير دون أن يبذلوا مجهودا كبيرا.
و عندما يقدم شخص ما على وسيلة نقل لتقله من مكان لاخر فان اقدامه هذا لا يأتي الا بعد أن يطمئن أن تلك الوسيلة امنة و سوف توصله الي حيث يريد سالما من أي ضرر ، و لو علم أنه سيصاب بأي ضرر لما أقدم لتك الوسيلة ، كما أنه يجب علي الناقل توفير متطلبات السلامة داخل تلك الوسيلة و أن يراعي قواعد السلامة في الطريق و لا يقودها بأهمال و قلة احتراز و غير ذلك من الأمور التي تضمن وصول الركاب سالمين الي وجهتهم .
في هذا المقال باذن الله سنلط الضوء على تكييف أحكام مسؤولية الناقل ( أمين النقل او متعهد النقل ) تجاه الراكب، و ذلك على النحو الاتي :
أيا كان نوع وسيلة النقل فاذا استغل شخص ما وسيلة نقل و حدث له ضررا أثناء نقله أو بسبب تنقله فيسأل الناقل عن ذلك الضرر ؛ و نشب خلاف في تكييف هذه المسؤولية فيري البعض أن المسؤولية هنا تكون مسؤولية تقصيرية و يري البعض الاخر أن مسؤولية الناقل مسؤولية تقصيرية :
أولاً : المسؤولية التقصيرية :
هي مسائلة الشخص عن أفعاله غير العقدية و تتطلب المسؤولية التقصيرية توافر ثلاثة أركان و هي :
1 / الخطأ او الفعل الضار : الذي يصدر من الشخص المسؤول ( المدعي عليه )
2 / الضرر الذي لحق بالمضرور ( المدعي )
3 / علاقة السببية بين الفعل و الضرر : أي أن يكون الضرر نتيجة مباشرة للفعل الضار و لم تنقطع علاقة السببية بأي فعل اخر .
ومن ذلك رفضت المحاكم الفرنسية في البداية قياس نقل الاشخاص علي نقل البضائع ، فاعتبرت المسؤولية عن نقل الاشخاص تقصيرية وفقا للمادة 1382 من القانون المدني الفرنسي و أنه ليس هناك علاقة بين المسافر و أمين النقل علي اعتبار أن التزام الأخير يتمثل في تمكين الأول من الانتفاع بوسية النقل ووضعها تحت تصرفه دون سلامته عن ذلك الانتفاع و ما ينجم عنه من حوادث .
أما حوادث النقل المجاني فتخضع لقواعد المسؤولية التقصرية يستوي في ذلك أن يكون النقل بريا ام جويا .
ثانيا : المسؤولية العقدية :
و هي أن يسأل الشخص عن اخلاله بالعقد الذي يلحق ضررا بالطرف الاخر و تتطلب توافر الاتي :
الخطأ العقدي : و هو الاخلال بالعقد أي لم ينفذ أحد الاطراف التزامه التعاقدي
الضرر : هو الذي يصيب المتعاقد الاخر في العقد
علاقة السببية : أن يكون الضرر حدث نتيجة لذلك الاخلال .
هنالك من يري أن مسؤولية الناقل تقوم علي أساس المسؤولية العقدية و ذلك لوجود علاقة تعاقدية بين الراكب و الناقل .
و لقد عدلت المحاكم الفرنسيةعن وجهة نظرها تلك في 1911و اعتبرت أن تنفيذ عقد النقل يوجب التزام متعهد النقل بوصول الركاب سالمين لمقصدهم ، فيكون القضاء قد استخلص واجب قانوني في ذمة أمين النقل مرجعه في ذلك ما يستخلص من تفسير ارادة المتعاقدين المشتركةفالتزام أمين النقل هو التزام ضمني و ان لم يكن منصوصا عليه و لولاه لرفض المسافر كما و أنه التزام بضمان السلامة و هو أولي من ضمان الأموال .
أما القضاء المصري فقد اكتنفه التردد و عدم الاستقرار قديما فقرر في بادئ الأمر أن مسؤولية أمين النقل تكون عقدية ثم عاد و اعتبرها تقصيريةثم عاد و اعتبرها عقدية .و استقرت الأحكام علي ذلك و هذا ما أقرته محكمة النقض حديثا .
و وفقا للقضاء السوداني ففي سابقة عبد الرحمن عبد الرحيم شمو ضد زكريا عمر (م ع/ط م/195/1977) أرست المبدأ الآتي :( مالك العربة المعدة لخدمة عامة في طريق عام كالعربات المستخدمة لنقل الركاب والأمتعة نظير أجر مسئوليته مسئولية تعاقدية تجاه الركاب لنقلهم وأمتعتهم تقوم جنباً إلى جنب مع مسئوليته في قانون المسئولية التقصيرية عن إهمال مستخدميه بتلك العربة
و أرست سابقة مهدي عبد الحميد المهدي ضد هيئة السكة حديد م ع/ط م/135/1978
المبادئ الآتية :
1- إذا كان نص المادة 20(2)(ب) من اللائحة واضحاً بحيث قصر مسئولية المطعون ضدها عن التعويض في حدود مبلغ معين يصبح لا مجال للمحكمة للاجتهاد بهدف الوصول إلى تفسير مغاير مهما كانت الاعتبارات أو المبررات إذ ينطوي ذلك على تجاوز لحكمة المشرع وإهدار لنص تشريعي صحيح
2- ليس هنالك ما يمنع قانوناً الشخص المضرور بسبب الإخلال بالعقد من المطالبة بالتعويض وفقاً لقواعد المسئولية التقصيرية
و كذلك جاء في سابقة هيئة السكة حديد ضد الحاج كردمان م ع / ط م/ 1982م / 152
المبادئ التالية :
إذا كانت علاقة تعاقدية محددة بأطرافها وشروطها ونطاقها وكان الضرر الذي أصاب أحد المتعاقدين قد وقع بسبب إخلال الطرف الآخر بتنفيذ العقد فإنه يتعين تطبيق أحكام العقد واللوائح المكملة له ولا يجوز الأخذ بأحكام المسئولية التقصيرية لأن الأخذ بها يعتبر إهدار لنصوص العقد المتعلقة بالمسئولية عند عدم تنفيذه
إذا كان عقد النقل بين الطرفين تحكمه الشروط الواردة به ونصوص لائحة السكة حديد (وشروط النقل والتخزين) فإن هذه الشروط والنصوص هي وحدها التي تكون واجبة التطبيق حتى لو أتسمت بعض الشروط وبوجه خفي في مسألة التعويض ببعض القيود المخففة للمسئولية
و فيما يتعلق بمدى جواز الجمع أو التخيير بين المسؤوليتين - التقصيرية و العقدية في هذا الشأن فأرست سابقة حامد محمد الحسن // ضد // ورثة عليه عبد الحميد، الرقم : ( م ع / ط م/ 381 /1989م) المبدأ الآتي : ( لوجود فروق بين المسئولية التقصيرية والمسئولية العقدية فإنه ليس من المقبول الجمع بين المسئوليتين في دعوى واحدة وذلك لأن السماح بمثل هذا الجمع يعني تمكين المدعي بالأخذ بما يختاره من خصائص كل مسئولية وهذا لا يجوز ففي حالة وجود عقد يكون الالتزام في الحدود التي رسمها هذا العقد وليس للمتعاقد أن يلجأ إلي المسئولية التقصيرية أما إذا كان الالتزام من النوع الذي يفرضه كل من العقد والقانون فيكون للطرف المتضرر الخيار في أن يختار أحدهما) .

تعليقات: 0
إرسال تعليق